جلال سلمي - خاص ترك برس

لفت رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بزياراته وزيارات الدبلوماسيين الإسرائيليين المتواترة إلى موسكو في الآونة الأخيرة، الأنظار نحو مدى القلق الذي يقض مضاجع بلاده، نتيجة تنامي الدور الإيراني في سوريا. كانت الزيارة الأولى له في 9 آذار/ مارس 2017، والثانية في 23 آب/ أغسطس المنصرم.

لقد أظهرت إسرائيل، بهذه الزيارات، أنها باتت توقن جيداً أن روسيا هي الدولة التي تملك عناصر القوة المؤثرة في مُجريات الساحة السورية، وهو ما دفعها للاتجاه نحو التنسيق معها للنظر في إمكانيات الحد من كمية ونوعية النفوذ الإيراني. بعد تنسيق روسيا مع الولايات المتحدة في منع تركيا من التقدم نحو منبج التي كانت تمثل آخر نقطة في عملية "درع الفرات"، تأملت إسرائيل كثيراً من إمكانية تحقيق توافق "أمريكي ـ روسي ـ إسرائيلي" ثلاثي يحقق لها طموحها في عملية حل الأزمة السورية، لكن سرعان ما وجدت نفسها في مأزق من هذا التوافق أو التنسيق الذي خرج بما بات يُعرف باسم "الاتفاق الأمريكي ـ الروسي ـ الأردني بشأن جنوب سوريا" الذي تم مطلع تموز/ يوليو، إذ لم يتناول هذا الاتفاق الوجود الإيراني في كامل سوريا، بل حد من التواجد الإيراني "الكمي" في منطقة الجنوب فقط، بالإضافة إلى أنه جعل روسيا، بعيداً عن التعاون مع الولايات المتحدة، هي الضامن للاتفاق. بحسب إسرائيل، هاتان النقطتان لا تضمنان لها أمنها القومي، فمثلما تُرسخ النقطة الأولى الوجود الإيراني في سوريا، وتكسبه الشرعية، تؤدي النقطة الثانية إلى الحد من قدرة إسرائيل على استباحة الأجواء السورية في حال كان هناك خطر يهدد أمنها.

ولقد بدا واضحاً من تعقيب نتنياهو على زيارته الأخيرة لموسكو بالقول "إننا سنهتم بالدفاع عن أنفسنا بكل الوسائل ضد التهديد الإيراني والتهديدات الأخرى"، أن روسيا لم تلب الطموحات الإسرائيلية، الأمر الذي يُبقي توازن القوى في سوريا قائماً لصالح إيران، وبالتالي يستمر القلق الإسرائيلي، وهو ما يعني احتمال اتجاه إسرائيل نحو قوتها الذاتية لصياغة توازن قوى يحفظ لها أمنها القومي بالحد الأدنى.

يخطر على البال الكثير من الخطوات التي يمكن أن تقوم بها إسرائيل من أجل صياغة توازنات تحفظ لها أمنها القومي، كالاستمرار في دعم سياسة تقسيم سوريا على أسس عرقية؛ كدعم الكيان الكردي، وتكثيف الاعتماد على سياسة "حرب الوكالة"، وغيرها، إلا أن رفع مستوى التعاون مع تركيا يبدو أنه الخيار الأنسب لإسرائيل.

تعتبر تركيا الخيار الأمثل لإسرائيل في تخفيف النفوذ الإيراني، لأن وجودها في سوريا بات شرعياً وفقاً لمخرجات "إعلان موسكو" و"محادثات أستانة"، إذ أضحت دولة ضامنة لعملية التسوية الجارية. ومن ناحية سياسية أمنية أيديولوجية اقتصادية وجيوسياسية، تعتبر تركيا المنافس الأول لإيران، ليس في سوريا فقط، بل في المنطقة ككل، كما أنها تملك نفوذاً بارزاً في سوريا يمكن لإسرائيل الاستفادة منه.

ربما تتجه إسرائيل إلى التنسيق مع تركيا لتحقيق التوازنات التي ترغب بها، عبر رفع مستوى التنسيق الأمني والاقتصادي والعسكري في حوض البحر المتوسط، بما يكفل لهما كبح أو احتواء أي تحرك إيراني خطير هناك. ويمكن أن يتم ذلك من خلال رفع مستوى التعاون العسكري والاقتصادي والأمني مع اليونان وقبرص اليونانية، وضم تركيا إلى هذا الحلف عبر تحريك عملية حل الخلاف القائم بين تركيا واليونان وقبرص اليونانية حول مصير جزيرة قبرص وخيرات مياهها الإقليمية، لا سيما تحريك عملية استخراج الغاز الطبيعي الموجود في محيط المياه الإقليمية لجزيرة قبرص، بما يضمن مصلحتهم جميعياً. أيضاً ربما يتجه الطرفان صوب رفع مستوى دعم الفصائل أو القوى التي من شأنها تقليم أظافر الوجود الإيراني الميداني عبر سياسة "حرب الوكالة المشتركة".

في الختام، إن التعاون التركي الإسرائيلي في صياغة توازنات القوى بما يكفل خدمة القواسم المشتركة القائمة بينهما ليس بالجديد، بل كان مشهوداً قبيل تدهور العلاقات بين الطرفين على إثر العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2009، واستهداف إسرائيل لسفينة مرمرة عام 2010. وليس بالضرورة القول بأن هذه التحرك قد يؤدي إلى اصطدام تركيا وإيران اللتين لم يلبثا أن يعودا إلى تنسيق مواقفهما مع بعضهما نتيجة تجاهل مصالحهما من قبل روسيا والولايات المتحدة في سوريا، وإعلان إقليم كردستان العراق نيته قطع أولى خطوات الاتجاه نحو الاستقلال الكامل، وغيرها من المتغيرات، فالدول تبحث عن القواسم المشتركة بينها، ولا يمنعها التعاون في ملف ما، الاتجاه نحو التنافس في ملف آخر.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس