كلاوس جيرغنز - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

كُتِب الكثير عن مدى تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فور اكتماله، على العلاقات البريطانية مع دول الاتحاد الأخرى. ولكن، القليل من التحليلات نُشِر عمّا إذا كان خروج بريطانيا سيكون له تأثير إيجابي على العلاقات مع تركيا أو العكس. وليس هناك مكان أفضل من بريطانيا نفسها لمعرفة المزيد عن ذلك، وجسّ نبض صناع القرار البريطانيين بشأن العلاقات الثنائية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد ومستقبل العلاقات بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.

أقول مجازًا، سأحاول القراءة بين سطور عدد من التعليقات الرسمية وغير الرسمية التي استمعت إليها مباشرةً في بريطانيا في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري.

التجارة، وحرية التنقل، والسياسة

لنتحدث أولًا عن التجارة. في وقت مبكر من هذا الشهر عُقِد منتدى أعمال تركي بريطاني في لندن. تُعرف غرفة التجارة البريطانية في تركيا (BCCT) باستضافتها فعاليات ضخمة في تركيا، ومن غير المُعتاد أن يستجيب 500 مدعو لدعوته، ولكن من يعرف غرفة (BCCT) سيكون من دواعي سروره الحضور.

ركّز المنتدى بشكل رئيسي على تعزيز التجارة الثنائية، وعرض الإحصائيات الاقتصادية المبهرة. وكما قيل في المنتدى ولاحقًا عبر الإنترنت، فإن رئيس غرفة التجارة البريطانية في تركيا كريستوفر غونت أشار إلى أنه مع نهاية عام 2016، احتلت بريطانيا المرتبة الثانية بين المستوردين للبضائع التركية بما يعادل 6.5 جنيه إسترليني (تعادل 8.5 مليار دولار أمريكي تقريبًا) من البضائع، وحلّت تركيا في المرتبة الـ18 بين مستوردي البضائع البريطانية بنحو 4.5 جنيه إسترليني من البضائع (تعادل 5.9 مليار دولار).

وحيث أن تركيا مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها ليست عضوًا حتى الآن، وأن بريطانيا ستفقد عضويتها قريبًا، قد يتوقع البعض حدوث تراجع أوتوماتيكي في التبادلات التجارية بين البلدين بعد اكتمال خروج بريطانيا من الاتحاد. ولكن على العكس، ربما تواصل تركيا وبريطانيا تبادلاتهما التجارية، وتزيدان حجمها أكثر من السابق. تشكل هاتان الدولتان اقتصادين نموذجيين، وهما شريكان مثاليان في التبادل التجاري.

لنترك التجارة جانبًا لدقيقة أو دقيقتين وندخل في المسألة الثانية، حرية التنقل، ينبغي أن أذكر اجتماعًا آخر يتعلق بتأثير 5 ملايين مغترب بريطاني يعيشون في الخارج ممن تأثروا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. هؤلاء المغتربون ولدوا في بريطانيا وهاجروا إلى دولة أخرى، ويعيش خُمس هؤلاء المغتربين في دول أوروبية.

وفي فعالية سياسية للمركز الملكي للدراسات تشاثام هاوس، طُرِح التساؤل التالي: ماذا لو قرر مغترب بريطاني يعيش في أستراليا مثلًا أن ينتقل للعيش في دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، هل سيتمتع بحرية التنقل نفسها التي كان يتمتع بها حين كانت بريطانيا عضوًا في الاتحاد؟ وما هي الحقوق التي سيكون بإمكان البريطانيين الاحتفاظ بها في دول الاتحاد الأوروبي بعد خروج بلادهم منه؟ هل سيحتاجون تأشيرة لدخول هذه الدول؟ وهل سيُلغى إذن الإقامة التلقائي لهم فيها؟ وماذا عن الوظائف، وماذا عن حقهم في البحث عن وظيفة أخرى في الخارج؟

بقيت غارقًا في قطار الأفكار أفكر في أن بريطانيا ستكون في يوم من أيام منتصف 2019 أو بعد ذلك بقليل دولة غير عضو في الاتحاد الأوروبي، وافترضت أن تركيا لن تكون في ذلك الوقت قد أصبحت عضوًا كاملًا في الاتحاد كذلك. ومع أملي في أن يكون الاتحاد أكثر ترحيبًا بتركيا التي ستجعله مكانًا أفضل، إلا أن كلا البلدين قد يقدمان أنموذجًا بفتح حرية التنقل بينهما دون تأشيرة سفر، وليس فقط لرجال الأعمال أو الطلاب، ولكن لكل أبناء المجتمع.

ومع بقاء بروكسل بكل أسف مترددة بشأن منح حق حرية التنقل للمواطنين الأتراك في المستقبل القريب، يمكن لتركيا وبريطانيا أن يجريا اتفاقهما الخاص ويُقرّبا شعبيهما أكثر من أي وقت مضى. وهذا بدوره، سيقود إلى زيادة في العلاقات بين المجتمعين المدنيين والسياحة على كل المستويات، مما يزيد من التبادلات التجارية أيضًا.

تتعلق النقطة الثالثة بحقل السياسة الشائك. يمكن افتراض أن بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد، بغض النظر عن كونها دولة قوية بمفردها، ستستفيد كثيرًا من وجود تركيا كحليف مقرب لها. تمتعت أنقرة ولندن بعلاقات ثنائية جيدة لعقود، ودعونا لا ننسى أن السياسي البريطاني آلان دانكن الذي كان المبعوث الأوروبي الأول لشؤون التنقل إلى تركيا، كان أول سياسي أوروبي يظهر دعمه الواضح لديمقراطية تركيا بعد محاولة الانقلاب الشنيعة في 15 تموز/ يوليو 2016. وقد التقى حتى الآن بنظرائه الأتراك خمس مرات. وإن من شأن استراتيجية مشتركة لإعادة تشكيل أوروبا، وتعاون مشترك مُقرّب جدًا مبني على الثقة والعلاقات الاقتصادية القوية، والفهم الواضح للحاجة إلى ردود عسكرية وأمنية على التهديدات الإرهابية الراهنة، إلى جانب عدد غير محدود من نقاط الاهتمام المشترك أن تؤدي إلى علاقات ثنائية مثمرة على الدوام.

حرية التنقل وخريطة الطريق السياسية (الأوروبية)

سأكون صريحًا وجريئًا كما كنت في الفقرات السابقة. تركيا هي موقع متميز للاستثمارات الأجنبية في الماضي والحاضر والمستقبل. وينبغي أن تكون شراكات القطاعين العام والخاص على مستوى ائتلافات من البلدين محركًا لمزيد من النمو. وليس فقط في قطاع الإنشاءات ذي الأهمية الجوهرية، ولكن في قطاعات أخرى عالية التقنية مثل الصناعات الدفاعية، والسياحة، والتعليم، والصناعات التحويلية، وحتى مشاريع البنى التحتية واسعة النطاق، كلها ينبغي تضمينها على قائمة مجالات التعاون المحتملة.

يمكن أن تتفق أنقرة ولندن على نظام إعفاء من تأشيرة الدخول وتسمحان لكل مواطني البلدين بالتنقل بحرية بين البلدين لفترة أقصاها ستة أشهر مبدئيًا، وقابلة للتجديد سنويًا. ويمكن البدء في مرحلة لاحقة بمناقشة فرص العمل في كلا البلدين ليوم واحد فأكثر دون تصريح عمل. وأخيرًا وليس آخرًا، إن من شأن محور أنقرة - لندن بنفوذه السياسي أن يتحول إلى خطة عمل لإعادة ترميم أوروبا، وربما حتى الاتحاد الأوروبي. ترغب لندن في الحفاظ على العلاقات الجيدة مع بروكسل والعواصم الـ27 الأخرى حتى بعد خروجها من الاتحاد، وكذلك ترغب أنقرة كعضو مرشح لدخول الاتحاد. ولكن ينبغي أن لا يحول أي شيء دون قيام تركيا وبريطانيا بإنشاء سوق موحد للبلدين، بغض النظر عمّا قد يحدث عن خروج بريطانيا من الاتحاد أو دخول تركيا إليه.

هل هذا ممكن؟ في وقت سابق لاستفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قامر رئيس الوزراء البريطاني في حينها ديفيد كاميرون بمسيرته السياسية كلها على استفتاء كانت نتيجته تبدو واضحة بالبقاء في الاتحاد وخسر تلك المقامرة، ولم يكن أحد يتوقع أن يكون مشروع خروج بريطانيا من الاتحاد على الأجندة السياسية لأي حزب حاكم. ولكن يبدو أنه في السياسة كل شيء ممكن، أو على الأقل ممكن إلى حد كبير. وبالتالي، فإن التفكير بسوق تركي بريطاني موحد، بالمعنى الإيجابي للكلمة حتى لا نزعج أصدقاءنا البريطانيين، قد يكون أكثر الحلول منطقية عند اختيار طريق للمضي قدمًا في نهاية عام 2019 بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي.

أُنهي بملاحظة شخصية، ربما يكون مفاجئًا أني لم أتطرق لطلبات الاتحاد الأوروبي من بريطانيا أثناء مفاوضات الخروج وإلى كونها عادلة أم لا، كما لم أتطرق لمخاوف 3.15 مواطنًا أوروبيًا يعيشون في بريطانيا ويعملون فيها. والسبب في ذلك هو أن كلا الموضوعين قد يملآن بسهولة صفحة كاملة أخرى وكان علي أن أختار أي المواضيع أكثر أهمية للعلاقات التركية البريطانية بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، وأن لا أحاول تغطية الأجندة الكاملة التي تبدأ لندن وبروكسل حاليًا مناقشتها.

عن الكاتب

كلاوس جيرغنز

صحفي ومحلل سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس