ترك برس

كان الكتّابُ الأدبيون في أواخر العصر العثماني وأوائل العصر الجمهوري شخصياتٍ سياسيةٍ بارزة أصبحت فيما بعد نموذجًا يستسقي منه شعراءُ الأجيال التي تلتهم حتى يومنا هذا. ويعد سليمان نظيف أحد أبرز الأمثلة على هؤلاء الكتاب الذين شكّلوا فكرًا في الشرائع الغربية والشرقية.

حكم سليمان في الدولة العثمانية في أوقاتٍ صعبة، كالتمرد الأرميني عام 1895، والحرب العالمية الأولى التي أدّت إلى اعتقاله ونفيه إلى مالطا.

وُلد سليمان سنة 1870 في ديار بكر شرق تركيا. وكان كلٌّ من والده محمد سعيد باشا وشقيقه الأصغر فائق علي أوزانسوي من الشعراء أيضًا. وقد كتب محمد سعيد باشا عن التاريخ مثلما كتب الشعر، أما فائق أوزانسوي فقد كان شاعرًا في مدرسة القافية الوطنية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.

تخرج سليمان من مدرسة ديار بكر الثانوية بعد أن انتقل من مدرسة هاربوت حيث عمل والده. وقد كان للدروس التي تلقّاها على يد معلمين كانوا يأتونه بشكلٍ خاص لمنزله أثرٌ كبيرٌ في تقوية التعليم الذي تلقّاه. تعلم التاريخ والمنطق والأدب من والده وأصدقاء والده، وتعلم اللغة العربية على يد مفتي ولاية موش، كما علمه الكاهن الأرميني الفرنسية.

أحب سليمان قراءة القصائد والمقالات التي كتبها مؤلفون معروفون أمثال نامق كمال وعبدالحق حميد، وقد كان لكليهما تأثيرٌ مباشرٌ على كتاباته.

موظفٌ حكومي

عندما توفي والده محمد سعيد باشا في 1891، عاد سليمان إلى ديار بكر وبدأ العمل كموظف حكومي. عمل في مكتب الإدارة العامة فيها ثم انتقل إلى بيت الطباعة الإقليمي، وكتب مقالاتٍ سياسية للجريدة الرسمية لولاية ديار بكر.

قام بكتابة برقيةٍ للإبلاغ عن التمرد الأرميني عام 1895، وقرأها كبير المفتشين المرسلين من من إسطنبول للتحقيق في التمرد القائم، كوليمن عبد الله باشا. أعجب كوليمن بالموظف الحكومي الشاب، وقام بتعيينه سكرتيرًا له في الموصل، إلا أن سليمان استقال من مكتب الموصل وذهب إلى إسطنبول.

ثوريٌّ أم لا

لم تكن إسطنبول وجهة سليمان النهائية، فقد وصل إلى باريس سنة 1897 لينضم لجريدة (الأتراك الشباب). وقد نشر مقالاتٍ شملت انتقادًا مريرًا لنظام عبد الحميد في مشورات أحمد رضا. وبرغم المشاكل التي دارت بينه وبين أحمد رضا عاد سليمان إلى إسطنبول بعد أن قدم له عبد الحميد الثاني بعض الضمانات.

نُفي سليمان إلى بورصة كموظفٍ حكومي في مكتب المحافظ، وعمل هناك 12 عامًا حتى سنة 1908. وكان يكتب في تلك الفترة في (سيرفيتي فنون)، المجلة الأدبية للجيل الجديد. أيّد سليمان الفهم الشعري الجديد بدلًا من القديم. ومع ذلك، وبالرغم من مشاركاته العديدة في الشعر، لم يعتبر سليمان قط شاعرًا كبيرًا، وإن قصيدته الأكثر شهرةً هي تلك التي كتبها في المنفى في مالطا، بعنوان الحنين إلى الوطن.

سنة 1908، استقال سليمان ليبدأ عمله كصحفي في إسطنبول، حيث انتقد سياسات مجلس الاتحاد والترقي. قام الحاكم بعدها بإرساله إلى البصرة ليشغل منصب المحافظ فيها، ثم إلى كاستامونو وطرابزون والموصل وبغداد، ليعود أخيرًا إلى إسطنبول ويعمل كصحفي من جديد.

يومٌ أسود

عندما احتلت الجيوشُ الغربية إسطنبول بعد الحرب العالمية الأولى، كتب سليمان مقالًا يعارض الاحتلال. وتعتبر مقالة (كارا بير غون) أي يومٌ أسود، واحدةً من الرموز الشهيرة لحرب الاستقلال التركية ضد قوات الاحتلال.

اعتقل البريطانيون سليمان بسبب صوته المعارض للاحتلال، وقاموا بنفيه إلى مالطا. بقي هناك 20 شهرًا، كتب خلالها قصيدته الشهيرة (دوسيلا).

بعد أن انتصر الأتراك بحرب الاستقلال وانتهى الاحتلال البريطاني لإسطنبول، عاد سليمان إليها مع الأتراك الآخرين المنفيين. وواصل العمل في مجال الصحافة حتى يومه الأخير في الرابع من كانون الثاني/ يناير سنة 1927. وقد عانى من صعوباتٍ ماديةٍ في السنوات الأخيرة من حياته على الرغم من أنه كان حاكمًا رفيع المستوى في الدولة العثمانية.

عاش سليمان نظيف وعمل في ظروفٍ أشبه بدائرة من النار. كان محافظًا خلال التمرد الأرميني، وشغل منصب الحاكم خلال التمرد العربي على الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، قاتل ضد قوات الاحتلال البريطاني بقلمه بعد الحرب العالمية. وفي نهاية المطاف، قاتل من أجل العيش مرةً أخرى مع قلمه في ظل ظروفٍ مريرة خلال العصر الجمهوري.

كتب سليمان نظيف نوعين من القصائد، قصائده الغنائية تشبه بأسلوبها سيرفيني فنون، والتي تحمل الطابع الرومنسي والمزاج الحزين. من ناحية أخرى، كان شعره السياسي أشبه بشعر محمد عاكف. وقد كان سليمان بشكلٍ ما جزءًا من حركة الجيل الجديد من 1890، والحركة السياسية الأدبية الوطنية في العصر الدستوري.

ويعتبر سليمان كاتب النثر الأبرز، فمقالاته السياسية والأدبية هي من بين أفضل القطع التي كتبت في أواخر العصر العثماني.

يقع قبر سليمان نظيف في مقبرة إدرنه كابي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!