ترك برس

أزمة جديدة تُضاف إلى قائمة الأزمات بين تركيا والعالم الغربي. فقد تسببت "الفضيحة" التي وقعت خلال مناورات حلف شمال الأطلسي "ناتو" في النروج والتي استهدفت مؤسس الجمهورية التركية ورئيسها الحالي رجب طيب أردوغان، بمواقف غاضبة ومنتقدة من قبل جميع أطياف الرأي العام التركي المعارض منهم قبل الحزب الحاكم. وأجمع الأتراك على أن هذه الحادثة ما هي إلا محاولة لـ "النيل من تركيا"، معلنين أنه من غير الممكن "تمريرها بمجرد اعتذار" من قبل "ناتو" أو النروج، ومطالبين في الوقت ذاته باتخاذ العقوبات اللازمة بحق المتورطين في الإساءة.

هذه الأزمة لم تكن المحطة الأولى في سلسلة التوترات بين أنقرة والعواصم الغربية بشكل عام وحلف "ناتو" بشكل خاص، فقد سبقها سحب الحلف لمنظومة "باتريوت" الدفاعية من على حدود تركيا مع سوريا، في وقت كانت فيه التهديدات الأمنية القادمة من الدولة الجارة في أوجها. فيما بعد ومع إسقاط أنقرة المقاتلة الروسية على الحدود السورية، وحدوث المحاولة الانقلابية على الحكومة التركية ليلة 15 يوليو/تموز 2016، جاء موقف الغرب من جميع هذه الأحداث هزيلاً فضلاً عن كونه متأخراً.

كذلك لا تمل تركيا من تكرار ذكر تركها وحيدة من قبل حلفائها الغربيين، في مكافحتها لمنظمتي "بي كي كي" و"غولن" إلى أن طفح كيلها مع حدوث "فضيحة المناورات" مما دفع الأتراك إلى التساؤل حول مستقبل تركيا لدى حلف "ناتو"، هل على أنقرة الاستمرار تحت مظلة الحلف أم حان أوان مفارقته؟

يرى برهان الدين دوران الكاتب الصحفي التركي ومدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية (سيتا)، بأن هناك نوعا من انعدام الثقة بين "ناتو" وتركيا، وسبب ذلك وقوف الحلف وراء جميع الانقلابات التي وقعت في تركيا اعتباراً من انقلاب 1960، وعدم وضعه بعين الاعتبار المصالح الاستراتيجية التركية، مبيناً بأن الإعلام الغربي يصور التعاون التركي الروسي في سوريا وشراء أنقرة منظومة "إس-400" الدفاعية من موسكو، على أنها أمر مناقض لمنطق حلف "ناتو".

يضيف الخبير التركي بأنه "ليس هناك شيء اسمه ’خروج أو إخراج‘ تركيا من الحلف. إذ لا توجد فصول أو بنود في النصوص التأسيسية للحلف، تنص على خروج أو إخراج عضو ما. وانتقاد تركيا للدول المنضوية تحت حلف "ناتو" لا يمكن تفسيره على أنه وجوب خروجها أو إخراجها من الحلف.

ويؤكد "دوران" على أن انتقاد الرئيس أردوغان للنظام العالمي، وتساؤله عن "ماهية تحالف" الدول الصديقة، ليس إلا دليلاً على مساعي البحث عن علاقة عادلة، ومحاولة لتصحيح الأبعاد غير المتماثلة في العلاقات مع الغرب. أي أن الانتقادات ليست من أجل "تشويه" صورة الغرب، ولا مقاربة ترفض الغرب برمته. كما أن انتقاد حلف "ناتو" انطلاقاً من وضع أنقرة مصالحها بعين الاعتبار، لا يعني الحكم بالخروج بأقرب وقت من الحلف.

ويشير الكاتب التركي إلى أهمية الاتحاد الأوروبي وحلف "ناتو" كمنظمات دولية تعتبر وسيلة تسعى تركيا من خلالها إلى تعظيم مصالحها الاستراتيجية. وعضوية تركيا في هذه المنظمات ليست مسألة بسيطة يمكن التضحية بها في سبيل العواطف والحملات الأخرى، مؤكداً وجوب "الابتعاد عن المشاعر الحماسية في هذا الخصوص، كي لا نحقق مخططات أولئك الذين يرغبون في أن تكون تركيا هي المغادرة."

وبحسب "دوران" يجب الاستناد إلى التحاليل والحسابات العقلية والمنطقية التي تكشف المصالح الاستراتيجية لتركيا والوجهة التي يتجه إليها العالم، قائلاً: "شخصياً أرى بأنه من غير المنطقي ولا العقلاني، الحديث عن ’الخروج‘ من حلف ’ناتو‘، قبل التأكد من مآل ونتائج الغموض الذي تسببت به إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العلاقات العابرة للأطلسي، وقبل معرفة الوجهة التي ستتجه إليها اتفاقية التعاون الدفاعي المنظم الدائم ’بيسكو‘."

ويدعو الكاتب التركي إلى "عدم الانحياز لطرف معين بشكل مطلق قبل رؤية الوسط الأمني الذي سيؤول إليه التنافس بين الولايات المتحدة، والصين، وروسيا وأوروبا. حتى وإن كانت علاقات تركيا متوترة مع ’ناتو‘ والاتحاد الأوروبي، إلا أنهما ما يزالان يحافظان على أهميتهما الاستراتيجية حول المستقبل."

ويختتم "دوران" بالقول بوجوب حفاظ تركيا على علاقاتها مع مثل هذه المنظمات الدولية دون التخلي عن انتقادها، خاصة وأنها دولة تقع وسط أزمات إقليمية ودولية، وفي الوقت ذاته يرى وجوب تطوير علاقات ثنائية مع العديد من الأطراف، ما يعني الاستمرار بالعلاقات المتوترة مع الغرب دون الوصول إلى مرحلة القطيعة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!