ترك برس

عقب السيطرة على مدينة الرقة السورية وتطهيرها من عناصر "داعش"، يمكن القول بتحقيق الهزيمة عسكرياً ضد التنظيم المذكور الذي سمع به العالم عند استيلائه في حزيران/ يونيو 2014 بسرعة البرق على أراض شاسعة في كل من سوريا والعراق ليعلن بعدها "دولة الخلافة" المزعومة. وخلال السنوات الثلاث الماضية، خسر التنظيم أكثر من 80 في المئة من مجموع الأراضي التي استولى عليها. ويعيش التنظيم في الوقت الحالي أيامه الأخيرة بعد أن بات محاصراً ضمن مساحة ضيقة في منطقة صحراوية بين محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين العراقية، وكذلك الأمر بالنسبة له في دير الزور شرقي سوريا. وبهذا يمكن القول إن الجبهة الأخيرة في الحرب على "داعش" تتركز على حدود سوريا والعراق وحول نهر الفرات.

يقول البروفسور برهان الدين دوران الكاتب الصحفي التركي ورئيس مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" (غير حكومي)، إن تعرّض التنظيم لهزيمة عسكرية وفقدانه للأراضي التي يسيطر عليها لا يعني بالضرورة انتهاء وجوده وانعدامه من الوجود أو تعرضه للهزيمة من كافة الجوانب، حيث أن هناك العديد من المتعاطفين مع التنظيم فكرياً وأيديولوجياً في المنطقة وفي العالم.

ويشير الكاتب إلى أهمية عدم إغفال السنة في كل من سوريا والعراق في المرحلة التي ستلي انهزام تنظيم "داعش" عسكرياً، خاصة وأنّ التطرف سيستمر في إيجاد بيئة ملائمة له، ما لم يتم إيجاد حل لتهميش السنة في هذين البلدين، فضلاً عن صعوبة السيطرة على مراحل دفع الشبكات الافتراضية المتعاطفين مع هذا التنظيم، إلى التطرف.

ويتوقّع "دوران" أن "يتحول ما تبقى من عناصر التنظيم إلى خلايا نائمة في مراكز المدن، أو قد يلجؤون إلى تشكيل مناطق آمنة لهم على المناطق الحدودية أو في وسط الصحراء، وهناك احتمالية تحول نمط اعتداءاتهم إلى تنفيذ الهجمات عبر سيارات مفخخة، أو عمليات انتحارية أو اغتيالات وكمائن صغيرة."

ولربما من الممكن الإشارة كمثال على التحليل الأخير للكاتب حول الهيكلية الجديدة للتنظيم والنمط المستحدث في اعتداءاته، إلى الهجوم الأخير الذي وقع الجمعة الماضية في شبه جزيرة سيناء شمال شرقي مصر، حيث أدى استهداف مسجد الروضة إلى مصرع أكثر من 235 شخصا وإصابة المئات الآخرين، بحسب الإحصاءات الرسمية.

مع كل هذا ينوه الخبير التركي إلى أن المسألة الأكثر حساسية في هذا الشأن، هي ما الذي سيفعله أكثر من 5600 مقاتل أجنبي عادوا إلى بلدانهم؟! حيث هناك توقعات حول نية بعض المقاتلين الأجانب التوجه إلى جبهات جديدة مثل شبه جزيرة سيناء، وليبيا، وأفغانستان ونيجيريا، لكن هذا لا يعني بحسب الكاتب عدم اتخاذ التدابير والاحتياطات اللازمة في كل مكان حول العالم.

أما فيما يتعلق بالجانب الذي يخص تركيا في هذا الأمر، يقول "دوران" بأنه يتوجب على تركيا التي قطعت أشوطا كبيرة في مكافحة التنظيم خلال السنوات الأخيرة، أن تكون مستعدة لظاهرة "داعش" الجديدة، والمتمثلة في خلايا نائمة تنتبه من حين لآخر،على حد تعبيره.

ووفقاً للخبير التركي، فإن عناصر التنظيم في سوريا والعراق لم يُقتلوا جميعاً، وتم السماح بهروب بعضهم، فضلاً عن رغبة بعض عناصر التنظيم وخاصة الذين سمح لهم "ي ب ك" وقوات البيشمركة بالهروب، في العودة إلى بلدانهم وديارهم عبر الأراضي التركية، الأمر الذي يستدعي من الأخيرة التأهب ورفع مستوى الحذر تجاه وقائع مثل هذه في الأيام القادمة.

ويقترح "دوران" بعض الخطوات التي تندرج في قائمة التدابير المتخذة ضد استراتيجية "داعش" في التحول إلى خلايا نائمة، خلال المرحلة التي ستلي انهزام التنظيم عسكرياً. على رأس هذه الخطوات يذكر الكاتب التنسيق الأمني والاستخباراتي، إذ يرى بأن المخاطر الأمنية على الحدود التركية السورية لا زالت قائمة على الرغم من اتخاذ التدابير اللازمة، فضلاً عن التدابير اللازمة فيما يخص شبكات التواصل الاجتماعي.

ويختتم "دوران" بالتطرق إلى موضوع يعدّ على صلة أيضاً بمرحلة ما بعد "داعش"، وهو كيفية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية العراقية خلال المرحلة المذكورة، إذ أن تركيا لن تكون بمعزل أبداً عن التطورات والمجريات التي تحصل وستحصل في هاتين الدولتين، سواء أكانت إيجابية أم سلبية.

وفي هذا السياق يتوقع الكاتب الصحفي أن تؤدي "مسألة وحدة الأراضي" لأية دولة، إلى اتفاقات وتعاونات بين دول المنطقة، مستدلاً على ذلك بالتعاون الذي كان بين تركيا وإيران والعراق عقب استفتاء شمالي العراق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!