سمير صالحة - لبنان 24

ما ان اعلن مستشار الرئيس التركي رجب طيب اردوغان واحد الشخصيات الحزبية النافذة في حزب العدالة والتنمية بن علي يلدرم ان اردوغان يستعد لترؤس اجتماعات مجلس الوزراء التركي اعتبارا من مطلع العام الجديد بين الحين والآخر حتى بدا نقاشا دستوريا وسياسيا جديدا بين الحكم والمعارضة عبر وسائل الاعلام التركية .

وما ان اعلن اردوغان نفسه انه سيكون رئيسا يختلف عن بقية الرؤساء السابقين في تركيا وانه سيستخدم كل صلاحياته الدستورية الممنوحة حتى النهاية حتى ارتفعت وتيرة الحملات الحزبية والإعلامية ضده في أوساط المعارضة تتهمه بالتفرد والسعي لزيادة صلاحياته وتوسيع نفوذه على حساب بقية السلطات في تركيا .

مقربون من اردوغان يقولون  ان بين ما يدفعه للأقدام على خطوات بهذا الاتجاه هو المشاريع الانمائية العملاقة التي بدأها ويعد لها في تركيا لتكون الرافعة التي تنقل تركيا عام 2023 في الذكرى المئوية الاولى لتأسيس الجمهورية من مرتبة الى اخرى اقتصاديا واستراتيجيا وتجعلها بين العشرة الأوائل في العالم كما تخطط قيادات العدالة والتنمية .

هم يقولون ايضا ان اردوغان يريد ان يكون حاضرا في كل شاردة وواردة تعني الملفات الحساسة في تركيا وان يقود المرحلة الحالية باتجاه عدم ارتكاب اخطاء تضعف الموقع والنفوذ التركي وسط بحيرة الأزمات الاقليمية التي تحيط بتركيا .

كلام الرئيس التركي قبل ايام حول ان الطريق باتجاه العام 2023 لن تكون مليئة بالورود وان إظهار اي ضعف في تنفيذ المشاريع سيخيب امال الشعب التركي ويترك البلاد امام خيبة امل يصعب الخروج منها يعني بشكل او باخر ان اردوغان يخطط :

لإنجاز حلم الدستور التركي الجديد الذي وعد العدالة والتنمية به منذ عقد تقريبا وعجز لأسباب سياسية وبرلمانية عن تحقيقه .

لابقاء المعارضة خارج اللعبة السياسية وقطع الطريق أمامها في البحث عن فرص وسيناريوهات اسقاط العدالة والتنمية والوصول الى لسلطة خلال العقد المقبل على الأقل .

لحل المسالة الكردية في تركيا وهو الوعد الذي أطلقه حزبه لكنه لم ينجح في تنفيذه حتى اليوم وبذلك يكسب المزيد من اصوات اكراد تركيا خصوصا في مناطق جنوب شرق تركيا تحمي فرص العدالة والتنمية في الاستمرار على راس الحكومة والقيادة السياسية .

الجناح المعارض يقول ان المادة 110 من الدستور التركي المعلن عام 1982 بعد الانقلاب العسكري الذي قاده كنعان افرين تدعو لان يكون رئيس الجمهورية فوق الاحزاب وخارج السياسة وان يكون رئيس الوزراء الذي يمثل الحزب الأكبر او تحالف الاحزاب الاقوى هو المخاطب في العمل السياسي الحكومي .

لكن المدافعين عن حق رئيس الدولة يلجأون الى المادة 104 من الدستور التي تمنحه حق ترأس جلسات مجلس الوزراء او دعوته للانعقاد عندما يرى ضرورة في ذلك بشكل استثنائي بين الحين والآخر وهذا ما يفعله اردوغان اليوم . ويذكر هؤلاء بأمثلة كثيرة قدمها الرئيس السابق تورغوت أوزال في الثمانينات بهذا الخصوص رغم ان رؤساء مثل احمد نجدت سيار وعبد الله غل رجحوا التحرك بناء على المادة 110 من الدستور .

لا بل ان المادة 154 من الدستور تعطيه هذا الحق كلما راى ضرورة في ذلك كما انها تخوله استصدار قرارات بحكم القوانين خلال انعقاد هذه الجلسات برئاسته دون الرجوع الى البرلمان . البعض يقول ان التعديلات الدستورية التي جرت عام 2007 بدلت في مدة حكم الرؤساء الاتراك وطريقة انتخابهم لكنها لم تغير من صلاحياتهم وطريقة عملهم لكن هناك حقيقة اخرى وهي ان اردوغان اصبح اعتبارا من منتصف اب المنصرم وبعد اعلان النتيجة النهائية لانتخابات الرئاسة في تركيا قائد اوركسترا جديد في النظام السياسي التركي قوته لا يستمدها فقط من الدستور بل من الشعب التركي الذي اختاره من الجولة الاولى للانتخابات .

لن يكون ترؤس أردوغان اجتماعات الحكومة في بلاده أمرا مخالفا للدستور الذي يعطيه الحق في ذلك، لكن التعديلات الدستورية ونتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة والتصويت الشعبي فتحت الطريق أمام أردوغان ليحقق اكثر مما يريد لناحية ان يتحول الى رئيس يتمتع بصلاحيات أوسع من الرؤساء السابقين .

المشهد السياسي في تركيا اعتبارا من مطلع العام المقبل وكما يراه البعض سيحمل النقلات التالية :

سيقوم أردوغان بترؤّس اجتماعات مجلس الوزراء في 5 كانون الثاني، وسيتم الانتقال تماماً من القصر الجمهوري القديم " تشان قايا " إلى الجديد بتاريخ 15 كانون الثاني.

سيتم تشكيل فريق عمل مشترك من المستشارين في الاقتصاد والعلاقات الخارجية والأمن التي ترتبط ببنية رئاسة الجمهورية. وسيتم تعيين وزير النقل القديم ورئيس مستشاري رئيس الجمهورية "بن علي يلدريم" في منصب المنسق مع الوزراء والحكومة . وسيترأس أردوغان مجلس الوزراء بشكل منتظم. ومن المتوقع أن يجتمع بالمجلس مرة في كل شهرين على الأقل .

إردوغان الذي يتحدث عن إنجازات «العدالة والتنمية» الإنمائية - الاقتصادية والاجتماعية والصحية، يريد أن يستفيد من كل ذلك ، ليكون رئيسا مختلفا عن بقية الرؤساء، سيشرف على عمل الحكومة والسلطات الإجرائية، وسيترأس اجتماعات مجلس الوزراء، ثم سيتحرك باتجاه التحضير لدستور تركي جديد يحول النظام من برلماني إلى شبه رئاسي، يوسع صلاحيات رئيس الدولة،

بقدر ما كانت معركة رجب طيب أردوغان من أجل البقاء لحقبة جديدة على رأس السلطة السياسية في تركيا صعبة وشائكة بقدر ما سيكون ما ينتظره سياسيا هو وحزبه في الأعوام المقبلة أصعب وبكثير مما تبناه وروج له واعتمده الحزب حتى الآن.

أردوغان قالها بالحرف الواحد أمام المؤتمر الرابع الموسع للعدالة والتنمية بأنه لن يذهب إلى منزل الأسرة الريفي في ريزا المطل على البحر الأسود للانزواء والجلوس على مقعد هزاز في استراحة المحارب المتقاعد.

أردوغان لا يتطلع فقط نحو كرسي الرئاسة بل هو يريد أكثر من ذلك يريد إعلان الجمهورية الثانية في تركيا بتغيير شكل النظام إلى رئاسي على الطريقة الأميركية أو شبه رئاسي على الطريقة الفرنسية في أضعف الاحتمالات،

أردوغان يتطلع ايضا الى ابعد من ذلك فهو عاهد الشباب في كلمة له قبل عامين على المضي في مشروع عام 2023 وتحقيق الوعود التي أطلقها قبل الذكرى المئوية لإعلان الجمهورية التركية، لكن مفاجأته لهم كانت حين دعاهم للاستعداد بدورهم لإحياء ذكرى ألفية حرب " مالزغيت " التي خاضها ألب أصلان عام 1071 ضد البيزنطيين وكانت الخطوة الأولى باتجاه التمدد التركي نحو الأناضول وإنشاء الإمبراطورية العثمانية كما هو معروف .

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس