د. باسل الحاج جاسم - خاص ترك برس

شهدت العاصمة التركية أنقرة في مثل هذه الايام قبل عام، انطلاق اجتماعات الدورة التاسعة للجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والإمارات العربية المتحدة، والتي سلطت الضوء على العلاقات التركية الإماراتية. وكانت الاجتماعات الاقتصادية المشتركة، بعد أشهر قليلة من زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الاماراتي، إلى العاصمة التركية، حيث جدد المسؤول الإماراتي، رفض بلاده محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، بعد فتور طويل خيم على العلاقات التركية الإماراتية، بسبب المواقف المتباينة من الأحداث في مصر، حيث تدرك أبو ظبي وأنقرة، حقيقة أن لا مشكلة مباشرة بينهما، بعيدا عن ملف الخلاف الوحيد المتعلق بطرف ثالث وهو مصر.

وعبّر الجانبان التركي والإماراتي في فترات سابقة، عن تحول من خلال تصريحات إعلامية متبادلة، كما عبّر وزير الخارجية الإماراتي، خلال مؤتمر صحافي مشترك في قصر يلدز في إسطنبول، عن تقديره لوقوف تركيا إلى جانب التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، وحق الإمارات في الجزر المتنازع عليها والمحتلة من إيران، طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى، موضحًا أنه في ظل هذه التحديات، هناك حاجة وسبب قوي لتطوير العلاقات الخليجية – التركية، ناهيك عن الفرص الاقتصادية المتوافرة بين الطرفين، ما دفع إلى إقرار إعادة تفعيل التجارة الحرة بينهما.

اختلف المراقبون وقتها حول المتغيرات، التي جعلتنا نرى عبد الله بن زايد في أنقرة وإسطنبول، بعد حالة أشبه بالقطيعة لسنوات، لكن الجميع يتفق أن المرحلة حساسة، وتفرض على الجميع التكاتف، ونبذ الخلافات الجانبية، للحفاظ على الأمن والاستقرار المشترك. كانت العلاقات الاقتصادية بين تركيا والإمارات تُعد الأكبر حجما والأكثر تطورا على الإطلاق على مستوى دول الخليج العربي، حيث ارتفعت التجارة البينية بنسبة حوالي ألفين في المئة خلال عقد واحد، وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين أكثر من 11.5 مليار دولار، كما تُعد الإمارات سوقًا مهمة بالنسبة للمقاولين الأتراك في قطاع الإنشاءات إذ نفذت الشركات التركية حتى العام 2013 مئة مشروع بقيمة 8.5 مليار دولار، وحتى على الصعيد العسكري فعلت الإمارات التعاون العسكري مع تركيا فعقدت عدة صفقات منها شراء 10 آلاف من صواريخ "جيريت" المضادة للطائرات.

بعد أحداث مصر في صيف 2013 توترت العلاقات الإماراتية التركية فجأة، بسبب تباين المواقف حول تلك الاحداث، كما انعكس ذلك سلبيًا على العلاقات التركية الخليجية بشكل عام حتى إن الحوار الاستراتيجي الخليجي مع تركيا والذي بدأ في أيلول/ سبتمبر 2008، وعقد خمسة اجتماعات وزارية مشتركة توقف بعد اللقاء في مملكة البحرين العام 2013. وكانت تركيا تفضِّل استمرار العلاقات الثنائية بين البلدين في شتى المجالات، على الرغم من اختلاف موقفيهما من أحداث مصر، فالمعروف في سياسة تركيا الخارجية النشطة والمتعددة الاتجاهات، عدم تأثر العلاقات الثنائية بشأن الموقف من دولة ثالثة، كما هو الحال بين تركيا وإيران، وبين تركيا وروسيا، فهناك خلافات كثيرة، ومع ذلك، تواصل تلك البلدان علاقاتها في المجالات الأخرى، وأي تباين في وجهات النظر والمواقف في بعض القضايا لا ينبغي أن يؤدي إلى القطيعة، لأن التوافق التام في جميع القضايا والملفات ليس شرطا لاستمرار العلاقات بين الدول.

كما تدرك الدولتان أهمية تعزيز تعاونهما من أجل مواجهة التحديات المشتركة، ولا سيما تحدي الإرهاب وبذل مزيد من الجهود لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة التي تواجه تحديا غير مسبوق. وليس ببعيد عن الموقف الرسمي الإماراتي الداعم لتركيا في مواجهة الانقلاب الفاشل، واصلت الشركات الإماراتية مراهنتها على السوق التركية، وعززت الشركات الإماراتية استثماراتها في تركيا.

وحتى في ظل الأزمة الخليجية، وإقامة تركيا قاعدة عسكرية لها في قطر، إلا أن الأتراك عبروا في أكثر من مناسبة بشكل مباشر وغير مباشر، أن ذلك ليست موجها ضد أي طرف.

يبقى القول، إنه على الرغم من الإيجابيات المتعددة لوسائل التواصل الاجتماعي، والتي كانت أشبه بطفرة في عالم التقنيات، من خلال سرعة إيصال الأخبار والمعلومات إلى عدد ضخم من الجمهور، إلا أنها تبقى في إطار عالم التقنية، ولا تمثل مواقف الدول الرسمية، أو ترسم سياساتها الخارجية.

ولا يمكن تجاهل حقيقة أن معظم ما يثار في الإعلام العربي حول تركيا، سواء كان معها أو ضدها، يبقى في كثير من الأحيان، إن لم يكن في كلها، بعيدًا عن اطّلاع الساسة الأتراك، وعموم الشعب التركي، إلا ما ندر من الملفات التي تأخذ طابعًا عالميًا، أو رسميًا، ويتم التحدث بها عبر القنوات الدبلوماسية، وعلى سبيل المثال الحادثة التي وقعت قبل عدة أشهر، عندما هاجم شخص ما يقيم في تركيا، السلطات التونسية حول موضوع يتعلق بتشريعات جديدة، لولا تحرك الخارجية التونسية وإبلاغ الأتراك، لكان الأمر مرّ مرور الكرام، وظنت تونس وغيرها أن تركيا تقف وراء الموضوع، إلا أن التحرك التونسي كشف رفض أنقرة قيام أحد من على أراضيها بالإساءة لأي بلد.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس