د. زبير خلف الله - خاص ترك برس

قام الرئيس التركي يوم 26 كانون الأول/ ديسمبر 2017 بزيارة إلى تونس. وتأتي هذه الزيارة ضمن جولة يقوم بها الرئيس التركي إلى دول ثلاث هي السودان التي اعتبرها أردوغان من أهم الدول الافريقية التي تراهن عليها تركيا في المرحلة القادمة من الناحية الاقتصادية ومن الناحية الاستراتيجية، وهو ما عبر عنه الرئيس السوداني عمر البشير الذي اعتبر زيارة أردوغان زيارة تاريخية لن تقف في حدود التعاون الاقتصادي بل ستتجاوز إلى الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين. وقد تم عقد 22 اتفاقية بين تركيا والسودان في مجالات مختلفة غلب على أكثرها الجانب الاقتصادي والاستثماري.

‎أهمية زيارة أردوغان إلى تونس

‎زيارة الرئيس التركي اليوم إلى تونس ذهب بعض المحللين والمراقبين إلى اعتبارها زيارة سيغلب عليها البعد الاقتصادي والاستثماري مثلما هو الحال في السودان وتشاد، وأن مرافقة 200 رجل أعمال تركي لأردوغان تبرز بشكل جلي أهداف الجولة الأفريقية لأردوغان وإلى تونس بشكل خاص.

‎لكن هذه الزيارة إلى تونس ليست هي الأولى من نوعها فأردوغان سبق أن زار تونس من قبل. وإن العلاقات بين تونس وتركيا قد شهدت تطورا كبيرا في مرحلة ما بعد الثورة جراء سياسة الانفتاح التي انتهجتها كلا الدولتين، فتركيا باتت تنظر إلى تونس على أنها البلد الأكثر تقاربا معها وأن المناخ السياسي في تونس أصبح سانحا لعقد شراكات اقتصادية وثقافية واستراتيجية معها.

‎في الوقت نفسه نجد تونس ما بعد الثورة باتت تبحث في سياستها الخارجية عن تنويع خياراتها الاقتصادية والاستراتيجية ولا تريد أن تظل منغلقة فقط على الضفة الشمالية لها، ولعل تركيا من أهم الدول التي تعززت العلاقات معها خصوصا في فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة التي تُعد الحزب السياسي الأكثر تقاربا مع تركيا وحزب العدالة والتنمية، وكان لها الفضل في تطوير العلاقات بين تركيا وتونس رغم جملة التحديات والمعوقات التي تضغط بها بعض الدول الأوروبية خصوصا فرنسا التي ترى في التقارب التونسي التركي تهديدا لمصالحها وتنظر إلى تركيا على أنها المنافس الأكبر الذي يسعى إلى سحب الأوراق من تحت قدميها ويهدد مصالحها في منطقة شمال إفريقيا.

‎نريد أن نذكر بأن زيارة أردوغان هذه إلى تونس جاءت ضمن دعوة وجهها رئيس الجمهورية التونسي السيد الباجي قايد السبسي، مما يدل على رغبة صناع القرار في تونس بالانفتاح على تركيا وتعزيز العلاقات على كافة المستويات خصوصا الاقتصادي والاستثماري والتعليمي والثقافي والاستراتيجي.

‎تونس ما بعد 14 جانفي (يناير/ كانون الثاني) لم تعد هي تونس ما قبل 14 جانفي فهي تحاول أن لا تتورط في الانخراط في سياسة المحاور وتريد أن تقف على الحياد في علاقاتها الديبلوماسية، وتسعى إلى تنويعها والانفتاح على الكثير من الدول خصوصا الضفة الشرقية الآسيوية. وتركيا هي واحدة من الدول التي أصبح لها دور كبير جديد في السياسة الإقليمية وجملة القضايا الإقليمية، ومن مصلحة تونس أيضا التعامل معها وتوطيد العلاقات معها على كافة الأصعدة.

‎لا شك أن زيارة أردوغان اليوم إلى تونس ومعه 200 رجل أعمال تشير إلى أن الهدف الأكبر من هذه الزيارة هو الجانب الاقتصادي والاستثماري الذي سيتم عن طريقه عقد اتفاقيات اقتصادية بين تونس وتركيا التي حاولت في العديد من المناسبات مساعدة تونس ومدها بيد المساعدة والوقوف إلى جانبها.

‎ويذكر أن حجم التبادل التجاري قد بلغ بين تونس وتركيا، العام الماضي، نحو مليار دولار، منها 240 مليون دولار صادرات تونسية و760 مليون دولار صادرات تركية نحو تونس، وفق تصريحات لسفير تركيا في تونس، عمر فاروق دوغان، في مارس/ آذار الماضي.

‎كما أن هذه الزيارة سيقع فيها إزالة الخلافات العالقة بين تونس وتركيا حول مسألة التبادل التجاري التي حصلت أخيرا وسعت بعض الأطراف داخل تونس إلى الدفع بالغاء التبادل التجاري بين تونس وتركيا، وكان البرلمان التونسي من خلال قانون المالية للعام القادم فرض رسومًا جمركيةً على نحو 90% من المنتجات التركية في إطار ما تسمح به الاتفاقيات التجارية المبرمة بين البلدين، فيما تطالب أحزاب سياسية بوقف العمل بهذه الاتفاقيات أو تعليقها إلى حين تعافي الوضع الاقتصادي في البلاد واستقرار عجز الميزان التجاري في حدود معقولة.

وقد تم رفع نسبة الضرائب الجمركية على السلع التركية ولم يتم رفعها ضد بقية السلع الأوروبية خصوصا فرنسا، مما يعني أن هناك أطرافا تحاول أن تفسد العلاقات بين تركيا وتونس، وتعمل ضمن أجندات أقليمية وغربية وعربية معروفة. وبدأ الإعلام التونسي يسوق لها قبل زيارة أردوغان إلى تونس في حملة تشويهية تفتقد إلى أبسط الأخلاقيات المهنية.

‎ويذكر أنه تم عقد اتفاقيات جديدة بين تونس وتركيا منذ ما قبل الثورة مما ساعد على تطوير العلاقات بين البلدين. حيث تم سنة 2004 الاتفاق مع تركيا على إنشاء منطقة تجارية حرة بين الدولتين وإعفاء جميع المنتجات الصناعية وبعض المنتجات الزراعية من الرسوم الجمركية.

‎كما قام مجلس الشراكة التركي التونسي بعقد اتفاقيات بين البلدين في عدة قطاعات منها الطاقة الشمسية والكهربائية والهوائية وتحويل الأسمدة والفوسفات، وكذلك في مجالات التعاون في دعم المؤسسات الصغرى.

حملة اعلامية تشويهية لزيارة أردوغان

‎بدأت بعض وسائل الإعلام التونسية المحسوبة على فرنسا والإمارات ومصر بشن حملة تشويهية لأردوغان الذي اعتبرته بأنه ضد حرية الصحافة في تركيا والحريات العامة في تركيا. وقد نظمت نقابة الصحفيين التونسيين برئاسة نجيب البغوري حملة تضامنية مع الصحفيين الأتراك الذين اعتقلتهم السلطات التركية بشبهة تورطهم في عملية انقلاب 15 تموز/ يوليو التي دبرتها جماعة فتح الله بالتعاون مع عدة دول إقليمية ودولية للإطاحة بأردوغان وحكومته وراح ضحيتها قرابة 250 مواطنا تركيا وأصيب اكثر من 2000 مواطن تركي.

‎وتستهدف هذه الحملة التشويهية أردوغان وتركيا ضمن الحملة التي تقودها وسائل إعلام عربية وغربية لتشويه تركيا ومواقفها الداعمة للقضية الفلسطينية ونجاح تركيا في تمرير ملف القدس إلى الجمعية العمومية في الأمم المتحدة التي صوتت فيها 128 دولة ضد قرار ترامب مما أزعج الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.

‎نقابة الصحفيين التونسيين تقوم بتشويه أردوغان وتركيا ضمن أجندة إمارتية وصهيونية ومصرية تستهدف تركيا وتحاول أن تفسد علاقاتها مع الدول العربية، وخصوصا تونس التي تعد اليوم النموذج الناجح مقارنة ببقية دول الربيع العربي.

‎ومثل هذه الحملة تسيء إلى تونس وإلى الأخلاقية المهنية لنقابة الصحفيين التونسيين التي لم نسمعها يوما من الأيام أنها نظمت حملة مساندة لآلاف الصحفيين الذين قتلوا من قبل النظام الانقلابي المصري وكذلك من قبل المجرم بشار الذي قتل الصحفيين بالبراميل المتفجرة.

‎إن الإعلام التونسي اليوم يفقد وقد فقد من قبل مصداقيته وانخرط في أجندات إقليمية وصهيونية تستهدف علاقات التونسية الإقليمية والدولية وتحاول أن تشوه الثورة التونسية بل تقدم خدمة للإمارات التي تسعى جاهدة للقضاء على التجربة التونسية وثورتها.

‎لا شك أن وسائل الإعلام التونسية ما زالت تحركها الإيديولوجيا ورجال الأعمال الفاسدين الذين يقفون حجرة عثرة ضد أي ميثاق شرف مهني يجعل من الإعلام التونسي قوة فعالة تساهم في بناء تونس الجديدة وتدفع في تحسين علاقات تونس مع كل دول العالم.

عن الكاتب

د. زبير خلف الله

كاتب - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس