جوناثان جورفيت - آسيا تايمز - ترجمة وتحرير ترك برس 

في الدوحة وفي مقديشيو تظهر ملصقات كبيرة تحمل صورة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يتمتع بشعبية كبيرة في بعض البلدان في الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن الجدير بالملاحظة أيضا أنه حقق تلك الشعبية الواسعة في الوقت نفسه الذي يدير فيه توسعا لم يسبق له مثيل في عدد وحجم قواعده العسكرية في الخارج.

في بحر العرب يرفرف علم بلاده على السفن الحربية، وفي الخليج العربي يبرز العلم التركي من أبراج الدبابات. وتوجد قوات تركية حاليا فى قطر والصومال بينما تقوم سفن البحرية التركية بدوريات فى خليج عدن. كما أثارت التصريحات الأخيرة التي أدلت بها شخصيات رفيعة في السودان وجيبوتي تكهنات بأن البلدين أيضا قد تضيفان قريبا جنودا ترسلهم أنقرة.

وتشدد تركيا على أن لها نوايا سلمية فقط وراء هذا الانتشار العسكري، بيد أنه في منطقة لم تشهد مثل هذا الانتشار منذ أن حكمت تركيا، وريثة الإمبراطورية العثمانية، جزءا كبيرا من الشرق الأوسط، فإن هذه العودة ليست دائما موضع ترحيب.

فقد قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش في تغريدة له نهاية العام الماضي، إن "العالم العربي لن تقوده طهران وأنقرة". وكان قرقاش قد حذر في وقت سابق من "الطموحات الإقليمية" لإيران وتركيا.

وبالنسبة إلى البعض فإن هذه التحركات التركية الجديدة تجلب معها مخاوف من تطويق "العثمانيين الجدد".

في المقابل يرى آخرون أن جانبا كبيرا من هذا الانتشار يأتي استمرارا لبحث تركيا منذ أمد طويل عن أسواق جديدة في منطقة الخليج وأفريقيا، على الرغم من أن هذا التوسع الذي يحركه الاقتصاد يتزامن الآن مع فرص جديدة نشأت نتيجة التمزق الإقليمي الأخير والتغيرات العالمية.

وقال أيبارس غورغولو، مدير البحوث في مركز السياسات العامة والدراسات الديمقراطية في إسطنبول (PODEM)، "هناك عالم جديد يتشكل الآن في هذه البيئة، تتخذ تركيا مبادراتها الخاصة، لتصبح أكثر فاعلية وأكثر حضورا".

الأزمة والفرص

وقد تزايدت المخاوف بشأن النوايا التركية فى بعض العواصم بعد سلسلة من التحركات التي قامت بها أنقرة.

أولا، عندما فرضت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر، المعروفة باللجنة الرباعية العربية، حصارا على قطر شريكها في مجلس التعاون الخليجي في حزيران يونيو 2017، سارعت أنقرة إلى الدفاع عن الدوحة.

وسارع  البرلمان التركي بالموافقة على إرسال قوة مكونة من نحو ثلاثة آلاف جندي تقوم حاليا ببناء قاعدة طارق بن زياد جنوب العاصمة القطرية، الى جانب الوحدات البحرية والجوية.

وفي الوقت نفسه، وفي غرب شبه الجزيرة العربية، في الصومال، تم نشر نحو 200 جندي تركي في قاعدة جديدة في مقديشو تبلغ تكلفتها 50 مليون دولار، حيث سيقوم الجنود الأتراك بتدريب نحو عشرة آلاف جندي صومالي في المعركة ضد جماعة حركة الشباب.

وإلى الشمال من الصومال وعند مدخل البحر الأحمر، صرح سفير جيبوتي لدى تركيا، أدن عبد الله، في شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بأن "بلاده منفتحة على أي تعـاون عسكـري مـع تركيـا،" مشيـراً إلى أن "بناء قاعدة عسكرية تركيـة سيكـون موضـع ترحيـب في جيبوتي." وتشارك سفن بحرية تركية  في مجال مكافحة القرصنة الدولية في البحر الأحمر إلى جانب  قوات من فرنسا والولايات المتحدة بريطانيا والصين واليابان.

وفي الشهر نفسه، زار الرئيس أردوغان السودان أيضا، وهي الزيارة التي انتهت باتفاق تركيا على إقامة ميناء في جزيرة سواكن بتمويل قطري، وهي قاعدة قديمة تعود إلى العصر العثماني.

وصرح وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور للصحفيين فى ذلك الوقت بأن الدولتين اتفقتا على "بناء رصيف للحفاظ على السفن المدنية والعسكرية".

ونفى الرئيس التركي في وقت لاحق أي مصلحة عسكرية محددة في الجزيرة، وإن كان قد تم توقيع عدد من اتفاقيات التعاون العسكري والمدني بين البلدين.

ولم تساعد تصريحات الرئيس أردوغان في الداخل على تخفيف المخاوف في القاهرة والرياض وأبو ظبي والبحرين. ففي العاشر من شباط/ فبراير، أعلن الزعيم التركي أن الجمهورية التركية "تمثل امتدادا للعثمانيين، وأنه في حين أن الحدود وأشكال الحكم قد تغيرت، فإن الجوهر هو نفسه، والروح هي نفسها، وحتى كثير من المؤسسات هي نفس الشيء."

وقالت نهى أبو الدهب، زميلة زائرة في مركز بروكنغز في الدوحة "أعتقد أن تركيا تنظر إلى هذه الأزمة على أنها فرصة. ويمكن أن نرى هذا في العدد الكبير من الصفقات التجارية التي تقوم بها تركيا مع قطر".

وفي أواخر العام الماضي، ضخت قطر نحو 19 مليار دولار من الاستثمارات في تركيا لعام 2018، بعد أن استثمرت نحو 18 مليار دولار في عام 2017.

وفي الوقت نفسه، أدى الحصار إلى إغلاق مصادر الواردات التقليدية في قطر، مثل المملكة العربية السعودية. وقد هرعت الشركات التركية لسد هذه الفجوة، وامتلأت رفوف المتاجر في الدوحة بالمنتجات التركية. وفي الوقت نفسه، تم تسليم عقود البناء في الاقتصاد القطري سريع النمو إلى الشركات التركية.

وفي الوقت نفسه، كانت الصومال قريبة من تركيا، التي وفرت لها الكثير من المساعدات الإنسانية في السنوات الأخيرة، إلى جانب الاستثمار في البنية التحتية الأساسية.

ويقول الباحث غورغولو  "إن تركيا تنظر إلى الصومال بوصفها دولة شقيقة تربطها بها رابطة خاصة. وتركيا لديها اهتمام متزايد في مجال بناء القدرات والمساعدات، لكن الوجود العسكري هو في الواقع وجود رمزي  إلى حد كبير".

وكان التعاون مع الصومال أحد نتائج سياسة تعزيز الوجود التركي في أفريقيا، حيث تبحث تركيا عن أسواق جديدة لمنتجاتها بعد الانهيار الاقتصادي العالمي في الفترة 2007-2008. هذا إلى جانب التوتر المتزايد في العلاقات بين تركيا وسوقها الرئيسي في الخارج، أوروبا.

إن عمليات الانتشار في السودان أو جيبوتي قد تكون رمزية إلى حد كبير، كما يقول غورغولو، "إذا كانت تحدث بالفعل" ويضيف أن "تركيا ليست بلدا غنيا، وهي تقاتل بالفعل في سوريا، لذلك هناك القليل من الحماس لإرسال المزيد من القوات إلى الخارج. تركيا ليس لديها تلك القدرة العالمية".

ورغم ذلك ما تزال هناك شكوك داخل الرباعية العربية. وتوضح معركة التغريدات الأخيرة على موقع تويتر التي دارت بين وزير الخارجية الإماراتي والرئيس التركي حول مزاعم الخيانة والمذابح خلال حصار المدينة المنورة في الحرب العالمية الأولى، مدى حساسية الماضي العثماني.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس