د. زبير خلف الله - خاص ترك برس

عملية غصن الزبتون التي تقوم بها تركيا في عفربن ضد المليشيات الكردية ليست سهلة كما يظن بعض الناس فالأمر ليس سهلا وتركيا تدرك هذا جيدا وتسعى الى عدم اطالة العملية خصوصا بعد أن أدركت أن الولايات المتحدة وروسيا يريدان لهذه العملية ان تطول اكثر حتى يتم استنزاف تركيا أكثر، ثم بعد ذلك يتم وضع شروطهما وفق ماستؤول اليه الاوضاع الميدانية في المنطقة.

 تركيا بقدر ما انها وجهت ضربات موجعة للمليشيات الكردية غير أنها ليست في وضع مريح لان هناك من يريد إطالة العملية حتي تتحول جنازات الجنود الأتراك من رمز للافتخار بالبطولة والشهادة الى مشهد تراجيدي يستغله الأعداء لإثارة الرأي العام التركي. يكذب من يقول إن العملية سهلة لان الأرض المتحركة ليست في عفرين فقط بل صفائحها تتحرك حتى داخل تركيا التي تدرك هذا جيدا وتدرك ان امريكا تريد تحريك الصفائح المتحركة بطبيعتها داخل تركيا لإحداث شرخ كبير داخل الجبهة الداخلية التركية.

ان عملية عفرين تأتي ضمن ظرف تشهد فيه كل المنطقة تحركا لصفائحها وتنذر بزلزال أكبر قد يكون سببا في تسونامي جديد وخطير قد يؤثر على كل المنطقة بما فيها تركيا التي تسعى عدة قوى الى تحريك صفائحها الداخلية حتى يتسنى لها رسم خارطتها الجيوستراتيجية التي بدأتها في أفغانستان ثم العراق ثم سوريا مرورا الي عملية انقلاب 15 تموز في تركيا.

الامريكان لا يؤمنون بنظرية الأرض الثابتة بل ينظرون الى أنه آن الأوان لتحريك كل الصفائح في العالم من أجل تشكيل عصر أرضي جديد تكون أمريكا فيه المركز الوحيد أو قطب الرحى الذي تتحرك من حوله كل الدوائر الأخرى.

لا يخفى علينا أن السياسة التركية الحديثة لم تعد تؤمن بنظرية المركز الأمريكي ويظهر هذا من خلال تصريحات أردوغان في عدة مناسبات حين يكرر جملة تحمل دلالات عميقة وهي '' نظرية أن العالم أكبر من خمس دول  ''.

في الحقيقة نظرية العالم أكبر من خمس دول فهمها الغرب وخصوصا أمريكا على أنها تهديد للمركز الأمريكي والغربي، وأن تركيا تريد أن تكون لاعبا أساسيا في إعادة صياغة نظام عالمي جديد لا تكون فيه أمريكا هي المركز بل هو نظام قديكون متعدد الأقطاب و تكون فيه تركيا عاملا أساسيا فيه.

نظرية العالم أكبر من خمس دول بدأ التطبيق فيها منذ أن رفضت تركيا استخدام أمريكا قاعدتها انجيرليك لضرب العراق ثم تطورت وترسخت هذه النظرية عندما نجح الاتراك في لعب دور بارز لمساندة ثورات الربيع العربي وتشكيل محور روسي ايراني تركي مضاد للمحور الامريكي.

لقد كانت عملية إفشال مشروع كردستان العراق الذي راهنت عليه امريكا واسرائيل وكذلك دخول تركيا الي قطر ثم الدخول الى عفرين حيث تتواجد القواعد العسكرية الامريكبة نجاحا لتركيا في تطبيق نظرية العالم اكبر من خمس دول.

لذلك عملت أمريكا على مواجهة نظرية العالم اكبر من خمس دول بنظرية تحريك الصفائح المتحركة داخل تركيا نفسها من خلال اللعب على إطالة عملية عفرين حتى تتحول الي استنزاف لقوة تركيا وتحريك صفائح جبهتها الداخلية على كافة مستوياتها.

لا شك أن الامريكان يدركون جيدا مدى نجاعة نظرية الصفائح المتحركة وكذلك حرب الاستنزاف لان لديهم تجربة في ذلك.

ان الخلفية التي تحرك الولايات المتحدة أن اطالة عملية عفرين سيخلق لامريكا مساحة وفرصة من تقارب اكثر مع الميليشيات الكردية وبقية الكيانات المعادية لتركيا حتى يتم توظيفها لاحقا لتشكيل خارطة الصفائح الاستراتيجية الحديدة في المنطقة.

عملية عفرين بقدر ما تعكس في ظاهرها حربا تقودها تركيا ضد الميليشيات الارهاببة الا أنها تحمل في أعماقها صراعا أوسع َهو الصراع بين نظرية العالم أكبر من خمس دول التي تقودها تركيا ونظرية تحريك الصفائح المتحركة في كل العالم وليست في الشرق الاوسط فقط.

التموقع الاستراتيجي الجديد لتركيا في عدة مواقع في العالم العربي والاسلامي ابتداء من سوريا فالعراق فقطر فالصومال فجزيرة سواكن في السودان يعكس تماما عمق نظرية العالم اكبر من خمس دول ويبرز أن تركيا اليوم ليست هي تركيا الأمس وأن العالم لم تعد أمريكا هي مركزه.

عن الكاتب

د. زبير خلف الله

كاتب - المركز العربي التركي للتفكير الحضاري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس