ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

 حزب العدالة والتنمية الحاكم لتركيا منذ ستة عشر عاما، استطاع من خلال خلطة سحرية وخطة عملية، في أن يكسب أنصار بالملايين وفي نفس الوقت استطاع أن يتقي ضربات الغرب ومواليه في النظام السياسي القابض على ذمام الأمور في البلاد من خلال تعلم درس حزب الرفاه، وقد تكون العوامل السابقة هي سر نجاحه خلال تلك السنين، والتي استطاع خلالها الاستفادة من الروح القومية والحب الهادر من الشعب التركي لبلدهم، وحلمهم بعودتها دولة كبيرة بين الدول.

العدالة والتنمية الذي يصف نفسه علمانيا، هو أقرب ما يكون لنهج الإسلام السياسي برؤية تختلف كثيرا عن تلك التي يصدرها رواد الفكرة في المشرق العربي، وخروجا من هذه الدائرة يراه معارضيه بأنه أقرب لإحياء العثمانية، وهو أيضا ما لا يخفيه أتباع الحزب، مستندين في ذلك على رغبة أي شعب في إحياء مجدها، إلا أن تلك النظرة تزعج الكثير و في مقدمتهم الحكومات الغربية، ومن ثم تغضب من يرون في منهاج الغرب الطريق الأفضل لتركيا ما بعد الخلافة العثمانية.

وهو ما جعل الجهود تتضافر بين الفريقين لإبعاد حزب العدالة والتنمية ورئيسه عن المشهد السياسي التركي وبالتبعية العالمي بكافة الطرق، لاسيما بعد ما استطاع الحزب الوصول لشرائح مختلفة من الشعب التركي يصطفون لانتخابه متعدين الايدلوجية ناظرين لمصلحة بلدهم. وتعددت أشكال محاولات الإطاحة بالعدالة والتنمية، فاتخذ في ذلك أساليب عدة منها، أسلوب النفس الطويل من خلال زرع كيان يتوغل في أركان الدولة ومؤسساتها الحساسة لإزاحة الحزب الحاكم، و لما اكتشف ذلك، انتقلت الخطة إلى شكل أعنف، فكانت المحاولة الانقلابية الفاشلة، والتي تصدى لها الشعب حفاظا على المكتسبات الديمقراطية من ناحية، وتأكيدا على رضاه عن أداء الحزب الحاكم، ورفضا لهذه الطريقة لإزاحته من ناحية أخرى، وبما أن أصحاب المصالح يتلاقون في نفس الطريق مع أصحاب الهوى، فإن الكاره لا يعدم وسيلة، فكانت الحرب الاقتصادية التي بدأت بعد أسابيع من فشل الانقلاب، وكان الغرض منها تقليب الشعب على النظام الحاكم، وهو ما واجهته الحكومة بجدية ولم يؤثر بشكل كبير على الاقتصاد فلم يشعر به رجل الشارع العادي، إلا أن هذا الطريق لا يتوقف على ضربة واحدة فالضربات المتتالية قد تضعف الصخر ومن ثم تفلقه، وهو ما يقوم به الغرب وأعوانه في الداخل التركي، لكن اختيار نقاط الضعف وتوقيت الضربة مهم جدا لدى أصحاب الانقلاب الاقتصادي لإنجاحه، وليس أفضل من هذا التوقيت (الانتخابات البرلمانية و الرئاسية القادمة) والتي كان محددا لها في نوفمبر من العام القادم، وحسننا فعل الرئيس اردوغان بتبكير الانتخابات ليربك حسابات الانقلابيين.

بعد فشل الانقلاب في تركيا انهار قطاع السياحة، فعرضت أوروبا وعلى رأسها ألمانيا على تركيا ضخ سيوله وتوزيع قروض مالية كتحفيز وإعادة سياح أوروبا إلى تركيا ، وطالبت تلك الدول في المقابل أن توقع تركيا على شرط استثنائي لا يقيد تلك الدول بشرط في حال أرادت سحب أصولها من تركيا، ومن تلك الأصول الصناديق السيادية، وهو ما يعني أن تلك الدول ترتب نفسها لساعة الصفر لتنفيذ ضربتها القاضية، و التي تهدف للقضاء على العدالة والتنمية ورئيسه،  بعد أن ينهار السوق التركي، والذي سيكون ردة الفعل على هذه الخطوة بحسب الخطة، إما أن ينزل الناس إلى الشوارع للمطالبة باستقالة الحكومة أو أن يعاقبوه سياسيا في أول انتخابات قادمة.

وتتمة لهذه الخطة يجب أن يكون هناك بديل قوي يستطيع أن يقنع الناخب التركي، وهو ما يعني تمويل ودعم منافس قوي يقف في وجه حزب العدالة ورئيسه، و هو أيضا ما يفسر التحالف الذي يبنى الآن والذي وضحت ملامحه أخيرا في شكل تنازلات وانتقالات بين الأحزاب لإدخال أحزاب لم تكن لتدخل الانتخابات القادمة لولا هذه التفاهمات والاتفاقات التي يراها بعض المراقبين أنها برعاية غربية، فالقوة التي تتحدث بها المعارضة واللهجة التي اختارتها، تؤكد عزم المعارضة خوض غمار الانتخابات القادمة بدفعة قوية تتعدى قوتها على الارض وحضورها في الشارع التركي، والمشاهد أن المعارضة ستخوض تلك المعركة بمنطق المعركية الأخيرة، وقد يظهر ذلك المنطق في حديث نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري أنجين ألتاي مع نواب حزبه داخل البرلمان واصفا معركتهم بأنها من أجل الديمقراطية، وأن نواب حزبه باتوا درعا أمام اغتصاب الديمقراطية.

وفيما يبدو أن هذه هي الصيغة التي اتفقت عليها الأحزاب المعارضة لمواجهة الرئيس وحزبه من خلال إسقاط الحالة الديمقراطية التي تعيشها البلاد، من خلال تكريث صورة ذهنية لدى الناخب التركي ترسم صورة للرئيس تظهره بمظهر الدكتاتورية، وهو ما ستعمل عليها الآلة الإعلامية خلال الأيام القادمة بشكل قوي.

وبعد أن اتضح شكل تحالف المعارضة بعد اللقاءات و المفاوضات التي لملمت شتات أحزاب، جمع بينها فقط الرغبة في إسقاط الرئيس وحزبه، والتي كانت أخرها ضم حزبي السعادة والشعوب الديمقراطي للتحالف، أتضح كذلك خطة التنسيق مع حزب الحرية والتضامن مع حزب اليسار الديمقراطي، واللذان اتفقا على تقديم كل من الكتلتين مرشحهم في الجولة الأولى، على أن يجتمعان في تحالف واحد في الجولة للانتخابات أمام  الرئيس.

لذا فلا يستبعد لعب التحالف المعارض بأي ورقة في سبيل الوصول لمبتغاه، وهو ما قد يفسر ما تحدثت عنه وسائل الاعلام عن لقاء جمع رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو بالرئيس السابق عبدالله غل، إلا أن الرئيس اردوغان وفي خطوة احترازية، اجتمع في اليوم التالي برئيس البرلمان السابق و أحد مؤسسي العدالة والتنمية بولنت أرينتش، في خطوة أراد بها الرئيس غلق أي منفذ يمكن ان يستقطب القيادات السابقة في الحزب، والتي تلعب المعارضة بورقتها لتصوير خروجهم من الحزب على أنه إقصاء بخلفية ديكتاتورية. 

وعليه فإن على الرئيس أن يكوّن تحالف القوي يواجه به تحالفات ليست سهلة، وعلى الحزب أن يعمل بشكل أقوى ولا يركن إلى تلك الضربة الاستباقية التي وجهها الرئيس للمعارضة بتبكير الانتخابات، فالانتخابات القادمة مفصلية وخطيرة ومصيرية في عمر الجمهورية الثانية، وتحتاج إلى جهد أكبر حتى تخرج تركيا من فخ جديد حفره له الغرب لا يقل عن محاولة انقلاب تموز .

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس