ترك برس

تشير الأحداث السياسية والعسكرية منذ شهر يناير/ كانون الثاني الماضي إلى ازدياد حدة التنافس بين أنقرة وطهران واتساع الهوة بين البلدين الجارين حول الرؤية المشتركة لمستقبل العراق وسوريا، على الرغم من استمرار التنسيق بينهما في سوريا.

تتقاسم تركيا وإيران تاريخا طويلا من التنافس، ولكن في أواخر العام الماضي بدا أن البلدين تعملان معًا لتنسيق جهودهما لمنع توسيع نطاق الحكم الذاتي الكردي، وتحويل إقليم شمال العراق إلى دولة مستقلة. وردا على استفتاء الإقليم في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، نسقت البلدان ردودهما، حيث قطعا العلاقات التجارية مع الإقليم، وأوقفا الرحلات الجوية إليه، ووجها إليه تهديدا غير مباشر بإجراء تدريبات عسكرية مشتركة على طول حدود الإقليم.

ويرى المحلل السياسي الأمريكي براندون فريدمان، أن التوافق التركي الإيراني تغير فيما بين 20- يناير و 18 مارس/ آذار 2018، عندما شنت تركيا عملية عسكرية لطرد الميليشيات الكردية - المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" - من منطقة عفرين في شمال غرب سوريا منهية بذلك الحكم الذاتي الكردي في المنطقة.

ويضيف فريدمان أن الرئيس التركي أردوغان أراد بإطلاق عملية" غصن الزيتون" أن يرسل رسالة إلى الولايات المتحدة بأنه يعتزم الوفاء بتهديداته لمنع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب من إنشاء كيان مستقل يتمتع بالحكم الذاتي على الحدود الجنوبية لتركيا البالغ طولها 820 كيلومتر مع سوريا.

ووفقا للمحلل الأمريكي، فإن خطاب أردوغان يشير إلى أنه جاد في استخدام جيشه لإنشاء حزام أمني على طول الحدود السورية مع سوريا، حيث أعلن الرئيس التركي في مارس الماضي أن الجيش التركي سيشن عملية شاملة  لطرد الميليشيات - المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" - من منبح وعين العرب وتل أبيض والقامشلي، ومن شأن التحرك التركي على منبج أن يكون تحديا مباشرا للنفوذ الأمريكي في شرق سوريا.

وإذا كان هذا التحرك موضع ترحيب من إيران، كما يقول فريدمان، فإن عملية غصن الزيتون طرحت دلائل على وجود تنافس متزايد بين تركيا وإيران في سوريا، وربما في العراق أيضًا. وقد أثرت سيطرة تركيا على عفرين في نظام الأسد، كما أن خطة تركيا لتمكين حلفائها في الجيش السوري الحر من هذه المنطقة تشكل تهديدًا طويل الأجل لخطط نظام الأسد وخطط إيران في إعادة السيطرة عليها.

وعلاوة على ذلك تخطط تركيا لعودة بعض اللاجئين السوريين في تركيا إلى إدلب وعفرين، وهو ما من شأنه أن يحول هذه المناطق إلى معقل مناهض لبشار الأسد. كما أن خطة تركيا للضغط على التنظيمات المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" من شرق نهر الفرات بعد أن حاصرتهم من الغرب، دفعتها إلى الهجوم على حزب العمال الكردستاني على الجانب العراقي من الحدود مع شمال شرق سوريا، الأمر الذي يشكل أيضا تهديدًا للمصالح الإيرانية.

ويضيف فريدمان أنه في حين ركزت إيران جهودها على السيطرة على المعابر الحدودية بين سوريا والعراق، فإن الهجوم التركي قد يشكل تهديدًا للميليشيات المدعومة من إيران على طول الحدود السورية العراقية. وليس من الواضح ما إذا كانت تركيا قد نسقت عملياتها ضد حزب العمال الكردستاني مع إيران، أو إذا كانت تركيا وإيران قد توصلتا إلى اتفاق حول السيطرة على الحدود السورية العراقية والوصول إليها.

ويلفت إلى أن التوتر الناشئ بين تركيا وإيران له ثلاثة آثار مهمة في التطورات المستقبلية في سوريا والعراق. أولاً، "تود إيران أن يعيد النظامان في دمشق وبغداد تأسيس سيادة السلطة المركزية، لكن العمليات العسكرية التركية الأخيرة ضد حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق تضعف من سيادة نظام الأسد ونظام العبادي".

ثانيا، أوجدت الهجمات التركية في سوريا والعراق والأزمة بين بغداد وحكومة أربيل العراق فضاءً جديدًا لمقاتلي داعش يسمح لهم بالتحرك.

ثالثاً، قد تدفع خسائر التنظيمات المرتبطة بتنظيم "بي كي كي" في سوريا والعراق، حزب العمال الكردستاني وإيران إلى التعاون فيما بينهما من جديد، وقد يحاول حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يواجه احتمال انسحاب الولايات المتحدة من سوريا، التماس الحماية من نظام الأسد وإيران. وبالمثل، قد تختار إيران دعم حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق من أجل احتواء المعارضة السورية في عفرين وإدلب، واستخدام حزب العمال الكردستاني لمواجهة التحدي التركي لنفوذ إيران في دمشق وبغداد.

ويختم فريدمان تحليله بالقول بأن شكوك تركيا وإيران حول أهداف الولايات المتحدة في سوريا طغت حتى الآن على خلافاتهما، وقد يستمر هذا في ضوء المواجهات المتنامية بين إيران والولايات المتحدة وإيران وإسرائيل. ولكن في الوقت نفسه من المهم إدراك المصالح التركية الإيرانية المتنافسة في مستقبل سوريا والعراق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!