ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس

رمضان في مصر غير أي وقت أخر في السنة، كما أنه في مصر غير أي مكان في العالم، فمن عاش في مصر أو زارها خلال هذا الشهر الكريم يستشعر روحانيات ما بعدها روحانيات في ظلال المآذن الصادحة بتراتيل القرآن أو تسابيح الأذكار أو أصوات المنشدين الخارجة من مذاييع المحلات والمتاجر.

 ورمضان في مصر كما يُعرف بالعبادة والإحسان وفعل الخيرات التي يتبارى فيها أهلها، فإنه يعرف أيضا بتباري الشباب في دورات رياضية عرفت في مصر منذ زمن (بالدورات الرمضانية)، وهي بطولات مخصوصة ينظمها شباب الأحياء ليفرغوا طاقاتهم فيما أحل الله.

لكن رمضان هذا العام واستمرارا لحكم نظام انقلابي آل على نفسه إلا أن يقلب الأمور ولا يبقي حجر على حجر في النظام الاجتماعي لهذا البلد الذي رُتب على أساس العرف المستمد من الدين، نظم النظام دورة رمضانية برعاية إماراتية يشترط فيها مشاركة لاعبين من الجنسين في المباراة الواحدة، غير مراعين لمشاعر المصريين خلال الشهر الكريم وتجاهلا للتقاليد والأعراف، ليقلب النظام المباح إلى محرم لما يستتبع عرف اللعبة الاحتكاك المباشر بين اللاعبين.

تسابقت الأوطان على مر العصور حتى في الدول العلمانية في مضمار التربية لشبابها ولازالت تضع في ذلك المناهج والمحددات كما تضع المعايير والمحاذير على ثقافة هذه الشعوب المستمدة في الغالب من أعرافها ودياناتها، وتقوم التربية في مناط ذلك بترسيخ القيم، تلك التربية التي تستقي من عدة روافد تتشابك كلها لتصب في تكوين شخصية الفرد نواة المجتمع وبنيته الأساسية.

ومنبع تلك الروافد هو الدين ، الذي منه توضع مناهج التعليم والتربية ، و يشكل محددات الثقافة والإعلام. فما أنزلت الأديان السماوية إلا لتهذب الخلق وتقومه وتربي في الإنسان العفة و احترام خصوصية الآخر، في ماله وعرضه وجسده .

وما أقدم عليه النظام في مصر يمكن فهمه في ظل غياب كامل للمؤسسة الدينية سواء الرسمية بإقحامها في مسائل تخدم مصلحة المؤسسة الحاكمة وإبعادها عمدا عن القضايا الرئيسية المعنية بها بالأساس، والمتمثلة في التربية الأخلاقية والروحية للمجتمع، أو بغياب المؤسسة الدينية الأهلية، لو صح لنا الاصطلاح، من مشايخ وعلماء تابعين للجمعيات الأهلية، بعد منعهم سواء بالحرمان من الخطابة والدروس، أو بالسجن، أو التغريب الإجباري، ما أدى بالنتيجة إلى إفراغ الشارع المصري من مصدر مهم لتربية المجتمع.

و لم يكن المصدر الثاني لتربية النشء بأحسن حالا من المؤسسة الدينية ، فالمدرسة لم تعد ساحة لا للتعليم ولا للتربية، فالمعلم المثقل بمهام وظيفية في ظل مسئوليته عن ستين طالب في الفصل الواحد أو يزيد، وهو بالأساس غير مؤهل لوظيفة التربية بعد تفريغ الكليات المؤهلة من هذا الصنف من المواد، أدى إلى إفراغ المصدر الثاني لتربية الشباب من مضمونه، وهو ما أراه متعمدا من قبل القائمين على الحكم منذ انقلاب 1952.

أما وسائل الإعلام التي تأسست على عين النظام لخدمة أهدافه، فقد اتخذت طريق إفساد الشعب هدفا لها ، فتلك الأفلام والبرامج المرئية أو المسموعة وحتى مقالات الجرائد التي بنيت أغلب قصصها على خرق المروءة وهدم الأخلاق في قصص الخيانة بكل أشكلها ، وإضفاء بريق زائف للسارق وتاجر المخدرات والغشاش وإظهاره على أنه من يستطيع أن يملك مفاتيح الدنيا ، كما وأن بث روح التخاذل والهزيمة وتصوير الغرب على أنه القادر وما علينا إلا أن نخضع لقدرته ، سواء لاقتصاده أو سياسته أو ثقافته أو حتى أخلاقه التي أبعد ما تكون عن قيمنا.

حتى الأغاني تم تلويث الذوق العام بعد نشر الأغاني الهابطة ومغنييها عن عمد لتلويث الذوق العام ، لتدخل مفردات كونت شكلا من التعامل بين الناس يهز قيمة احترام الأخر ولا يقدره .

لا أدعي أن النظام الحالي هو من ابتدع بدعة إفساد المجتمع ، وان كان مشروع الإفساد يشهد أوج مجده الآن ، فالنظام يفسح المجال ويعطي المساحات والفضاءات لملوثي الذوق العام والماسكين لمعاول هدم قيم المجتمع، والمبرزين لسلبيات الأفراد من أجل إشاعتها وإفشائها حتى إن لم تكن ظاهرة ، بجهود هؤلاء تكون.

ما يقوم به النظام من عملية ممنهجة ومدروسة لحرف المجتمع عن قيمه وأخلاقه، لا يمكن أن يوصف إلا بأنه مشروع قومي يتبناه من أجل القضاء على الأخلاق ومن ثم هدم هذا المجتمع تمهيدا لإسقاط الوطن الذي ثار يوما ما على الفساد بكل أشكاله، فذلك النظام لا يمكن أن ينمو إلا في بيئة فاسدة كما الفيروسات الذي لا يعتمد على نفسه، وينشط فقط عندما يتضاعف داخل عائل أو بيئة باستخدام موارد وغذاء هذه البيئة ليصبح دوره الوحيد هو أن يصنع من نفسه نسخا بقدر طاقته, وأن يصيب خلايا بيئة أخرى .

فيا آباء مصر أنقذوا أبنائكم من البيئة التي يتغذى عليها هذا النظام الفاسد حتى لا تنتقل عدوى الفساد إلى كل بيت ويصبح العلاج صعب.

إذا أصيب القوم في أخلاقهم

فأقم عليهم مأتماً وعويلاً.

عن الكاتب

ياسر عبد العزيز

كاتب وباحث سياسي ومدير مركز دعم اتخاذ القرار في حزب الوسط المصري سابقا.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس