محمود القاعود - خاص ترك برس

ابتسام شاكوش أديبة ومثقفة سورية بارزة لاقت أعمالها صدى كبيرا لا سيما في سنوات الثورة السورية التي اندلعت في 15 آذار/ مارس 2011م، والخطاب الأدبي عند شاكوش بصفة عامة ماض نحو غاية محددة هي الانتصار للحرية والإنسان والفكر، مع ما تشكله هذه الغاية من انعاكاسات عايشتها إبان الحكم الفاشي لأسرة الأسد (الأب والابن) المستمر منذ 1970م.

توظف ابتسام شاكوش الجانب النفسي ببراعة شديدة، بل تتقمص الشخصية، فيتماهى الراوي (السارد الذي يعلم التفاصيل) مع الشخصية بحالتها ودوافعها السيكولوجية، حتى وهى المرأة نجدها تصف الرجل وتعبر عنه كأفضل ما يكون، دون أية انحيازات أو مغالطات كما تعمد بعض الحركات النسوية المعاصرة.

ابن المجرم ومفارقة العنوان

 تعتمد ابتسام شاكوش في روايتها "ابن المجرم" على تقنية الفلاش باك في السرد، حيث يحكي بطل الرواية الشاب "مصعب عيد الهادي" منذ طفولته ما تعرض له، وكيف كان يُسميه الأطفال ابن المجرم، بسبب اعتقال والده الذي كان يعمل ضابطا لكنه حسن السمعة ويُحب الخير ثم استشهد في سجن تدمر،  لكن مصعب يدخل في صراع نفسي مع أسرته (والدته وجده وجدته) فهو لا يصدق أن والده مظلوم لأن السجن فقط للمجرمين فهكذا تعلم في مدارس ومعسكرات حافظ الأسد، ويتمزق مصعب بين ما يسمعه من جده وما يسمعه من رفاقه في حزب البعث والمدرسة الثانوية. دائما ما يتبني مصعب رواية النظام... حول الرجعية، وحول وصف الخلافة العثمانية بالاستعمار العثماني، يموت جده الذي كان يشكل له مصدر إزعاج ويعرقل طموحاته الهوجاء في حزب البعث، فتقع مسؤولية البيت عليه حيث والدته وجدته وأخته، فعمل في عدة مجالات ورشات... مطاعم.

تنتقل الرواية في فصلها الثاني إلى وجود مصعب في أحد مستشفيات مدينة أنطاكيا التركية بعد اندلاع الثورة السورية ضد بشار الأسد حيث أفاق من غسيل المخ الذي عاشه في ظل حزب البعث والأكاذيب التي كان يروّجها نظام بشار الأسد، وهو ما يبدو واضحا في ندم مصعب واعترافه بالخطأ في حق والده الشهيد ووالدته الأرملة الصابرة وجده الذي طالما نصحه وعرّفه حقيقة النظام الإجرامي الذي يحكم سوريا، وصلت أم مصعب من اللاذقية إلى أنطاكيا وحكت لابنها كيف اهتمت بها مريم، المرأة التركية مُعلمة القرآن الكريم، وكيف فتح والد مريم منزله للعائلات السورية وأحسن استقبالهم.

الزمكانية

تتعامل ابتسام شاكوش في فضاءات السرد الزمانية والمكانية بواقعية حية، تصوّر الأحداث منذ الثمانينيات حتى الثورة السورية، ويأتي المكان في اللاذقية وما حولها وحتى أنطاكيا التركية، فيجد القارئ نفسه أمام أحداث لا مجال للتخييل فيها، بل يجدها شديدة الثراء بحوارات صاخبة ووسوسات نفسية حادة تميز عملية السرد السيكولوجي.

استخدمت ابتسام شاكوش ضمير المتكلم، وهي دلالة مهمة أن تتحدث الأنثى بضمير المتكلم عن الذكر بكل انفعالاته النفسية والعاطفية، ما يُعطي عملية السرد تميزا وتفوقا.

تصور شاكوش طبيعة المرحلة إبان عهد حافظ الأسد: "رجعت من معسكر الطلائع قبل أيام قليلة مشحونا بحب الأب القائد حافظ الأسد، مشحونا بالفرح، رحت أحكي لجدي وجدتي وأمي عن حافظ الأسد الذي أعطانا من رعايته ما يفوق رعاية الآباء، هكذا أفهمنا مشرفوا معسكرنا، حافظ الأسد هو أب لكل البلاد، بل هو أب لكل العرب، حرر مدينة القنيطرة وسيحرر الجولان وفلسطين، سنكون جنوده حين نكبر ونشاركه شرف تحرير كل الأرض المحتلىة من قبل اليهود الغاصبين، القائد أعطى الحقوق للعمال والفلاحين، كرم المجاهدين الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي، فتح المشافي مجانا لأبناء الشعب وفتح المدارس، حارب الرجعية والامبريالية وانتصر على عصابتها العميلة جماعة الإخوان المسلمين، والأهم من كل ذلك، هو الذي أنشأ منظمة طلائع البعث التي أتاحت لنا الاشتراك في هذا المعسكر".(ص 67)

وتتجلى مأساة مصعب في هذا الصراع مع الأطفال:

- أين أبوك؟

أبي مسافر.

بل هو في السجن لأنه ذيل للرجعية والامبريالية.

اشتد غضبي، هجمت عليه أضربه وأركله، اجتمع كل أولاد الحارة يدافعون عنه، ويعيرونني بما عيرني به: ابن المجرم، هزمت أمامهم بل تحطمت كليا. (ص 69)  

"أبوك شهيد يا مصعب... جاءنا الآن نبأ يؤكد استشهاده في سجون الظالمين، واصلت جدتي البكاء، وبقيت واقفا في العتبة أحاول استيعاب ما سمعت، أبي شهيد؟ هذا يعني أنه ليس مسافرا، ولا سجينا، ولن يعود إلينا. شهيد؟ الشهداء أكرم من في الدنيا وأعز بني البشر، هكذا وصفهم حافظ الأسد، يعني أبي ليس مجرما".(ص 95)

دور الجدة في العمل السردي كان مؤثرا للغاية، وهو ما يبدو في أحد حواراتها مع مصعب:

"حين رجعت أحمل عدة الشاي، كانت جدتي قد ألبست الوسادة أحد أثوابها، وربطت فوق الثوب وشاحاً لها، لتتحول الوسادة إلى دمية كبيرة منتفخة البطن، ما هذا يا جدتي؟ انظر يا ولدي، كانت الدولة الإسلامية كبيرة وقوية دب الضعف فيها حين وسد الأمر إلى غير أهله، وتدخل المستشارون الأجانب والزوجات الأجنبيات لرجال الدولة في كل أمور البلاد وهكذا".(ص 179)

أثناء الرواية وضحت شاكوش حقيقة الدولة العثمانية، وأكاذيب نظام بشار الأسد حولها وهي ما شوّشت عقل مصعب إبان التحاقه بحزب البعث، وبينت دور تركيا الداعم للثورة السورية واحتضان اللاجئين الذين فروا من جحيم المجرم الحقيقي بشار الأسد:

أم مصعب: "أما رأيت بعينيك طيبة وتقوى إخوتنا الأتراك؟ أعداء الدين يا ولدي هم الأعداء، كل الخلافات يمكن المصالحة عليها إلا عداوة الدين"(ص 413)

رواية ابن المجرم تأتي مكملة لسلسلة روايات يمكن تصنيفها تحت "أدب الثورة السورية".

عن الكاتب

محمود القاعود

صحفي وروائي مصري وعضو اتحاد الصحفيين العرب


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس