ترك برس

رأى تقرير في شبكة الجزيرة القطرية أن شخصية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الكاريزمية ومنجزاته قد تحولان دون حصول مفاجأة كبرى تبشر بها المعارضة وتسعى لها، خلال الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي تشهدها تركيا الأحد.

وبحسب التقرير، ترى المعارضة التركية -رغم تعدد أطيافها ومرشحيها، وعدم ترحيبها بالانتخابات المبكرة التي دعا لها الرئيس التركي في البداية- أن أردوغان وحزبه في أضعف حالاتهما بما يمهد لتحقيقها فوزا بحجم المفاجأة في هذه الانتخابات.

في حين يؤكد أردوغان وأنصاره أن رسوخ "التجربة الأردوغانية" وقوة مشروع حزب العدالة والتنمية ومنجزاته السياسية والاقتصادية يُصعبان ذلك.

ويتنافس في الانتخابات المبكرة -وهي الأولى بعد الاستفتاء على تعديلات دستورية لإقرار النظام الرئاسي جرت العام الماضي- كل من الرئيس رجب طيب أردوغان، وزعيم حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه ذي الخلفية العلمانية ووريث النهج الأتاتوركي، فضلا عن مرشح حزب الشعوب الديمقراطي (الكردي) صلاح الدين ديمرطاش الموجود في السجن.

وتشارك أيضا مرشحة حزب "الخير" ميرال أكشينار، المعارِضة الشرسة لتحول تركيا إلى النظام الرئاسي، ثم مرشح حزب السعادة تمل قرة ملا أوغلو، الذي ورث توجهات الزعيم الراحل نجم الدين أربكان، وكذلك دوغو بارينجاك مرشح حزب "الوطن" ذي التوجهات القومية.

ووفقا لمعظم الاستطلاعات يبقى أردوغان زعيم ومرشح حزب العدالة والتنمية الأوفر حظا للفوز بالرئاسة، لكنه قد لا يتمكن من تجاوز حاجز 50% المطلوب للفوز من الجولة الأولى.

ومن المرجح أن يكون محرم إنجه منافسه في حال إجراء جولة إعادة في الثامن من يوليو/تموز المقبل، وفق التقديرات.

وتشير الصحافة التركية المعارِضة إلى أن أردوغان سيعاني التحدي الأضخم في مسيرته السياسية  خلال هذه الانتخابات التي كان من المنتظر أن تجرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

لكن أنصار حزب العدالة والتنمية -وبينهم الكاتب إبراهيم قالون- يرون أن أردوغان واجه أكبر تحدياته في انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 الفاشل، وخرج منه "قويا وثابتا"، وأن هذه الانتخابات ستؤكد شرعية أردوغان ومشروعه.

ويتكئ أردوغان على إرث سياسي ضخم بدأ بتوليه رئاسة حزب "الرفاه" الإسلامي عام 1985 ورئاسة بلدية إسطنبول (1994-1997) ثم رئاسة الحكومة منذ عام 2003 إلى عام 2014، ثم توليه الرئاسة عام 2014، وعلى منجزات اقتصادية مهمة ونسَب نمو عالية، وشخصية كاريزمية، والتفاف شعبي حول حزب العدالة والتنمية الذي أسسه عام 2001.

كما أكد حزب العدالة والتنمية من خلال سياسات حكوماته المتعاقبة مرونة سياسية وبراغماتية وتدرجها في التغيير ومواكبة التحديات الناشئة، على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، مما قاد تركيا إلى تحقيق أعلى معدلات النمو عالميا في العقد الأخير.

لكن المعارضة التركية -وخصوصا حزب الشعب الجمهوري ورئيسه محرم إنجه - ترى أن "فقاعة"  الطفرة الاقتصادية قد انفجرت الآن بعد الانخفاض الكبير لليرة التركية، وأثبتت "هشاشة هذا النمو وعدم انعكاسه على عامة الشعب"، وارتفاع البطالة والدين العام إلى أكثر من أربعمئة مليار دولار.

ويرى إنجه - الذي يستهدف إلغاء التحول نحو النظام الرئاسي في حال نجاحه - أن أردوغان دمر علاقات تركيا مع جميع جيرانها وأصدقائها (الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي)، وأنه استغل حادثة الانقلاب الفاشل "لتكريس الاستبداد وقمع الحريات وفرض مشروعه الشخصي".

من جهته، يقول الكاتب إبراهيم قراغول -رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" المقربة من الحكومة- "إننا في المرحلة الأخيرة من مسيرة القرن التي نواصل السير بها منذ 15 عاما -في إشارة إلى عهد أردوغان- إننا في المرحلة الأخيرة من الوفاء بوعد حملناه على أعتاقنا... ينتظرون بأمل أن تسقط تركيا لو سقط أردوغان... لا تمنحوا الفرصة للراغبين في إضعاف تركيا".

ويشير كل ذلك إلى احتدام المعركة الانتخابية في الداخل التركي، وتداخل العوامل الداخلية والخارجية في هذه الانتخابات ونتائجها؛ فموقع الدولة وتحالفاتها ودورها في الإقليم والمنطقة (أوروبا والشرق الأوسط) تجعل هذا الاستحقاق محط اهتمام كبير وتفاعلا يختلف باختلاف الموقف من السياسة التركية والرئيس رجب طيب أردوغان.

وفي قراءتهم للاستحقاق الانتخابي، يرى محللون أتراك أن أردوغان قام بمقامرة كبيرة بدعوته لانتخابات سابقة لأوانها بقصد المرور إلى تطبيق النظام الرئاسي الذي يحصر معظم الصلاحيات بيده، باعتبار أن الأوضاع الداخلية والإقليمية التي تلت دعوته تلك لم تكن مناسبة لتحقيق الأهداف المنشودة.

ويشير هؤلاء إلى أن الاستحقاقات الانتخابية الماضية، بما فيها استفتاء 2017، خرج منها أردوغان -وهو في أوج قوته آنذاك- بشرعية دون تفوق كاسح (51.4% صوتوا بنعم للتعديلات في استفتاء 2017)، و53.2% صوتوا لأردوغان في انتخابات أغسطس/آب 2014).

وعلى صعيد المنافسة على الرئاسة، لم يضع أي استطلاع للرأي الرئيس رجب طيب أردوغان خارج قصر الرئاسة؛ فأكثر الاستطلاعات تشاؤما -أو تتمنى الإطاحة بأردوغان- توقعت خوضه جولة ثانية من الانتخابات أمام رئيس حزب الشعب الجمهوري محرم إنجه، ليواصل بعدها رئاسة تركيا حتى عام 2025.

ويستبعد -وفق الاستطلاعات والتحليلات- أن ينجح إنجه أوغيره من المرشحين في تحقيق هذا الاختراق  السياسي الهائل إلى حد الإطاحة بأردوغان، وترجح التقديرات أن يبقى أردوغان رئيسا بالصلاحيات الواسعة التي أقرها استفتاء2017، وأن يفوز حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية (تحالف الجمهور) بأغلبية مقاعد البرلمان (550 مقعدا).

وأشار استطلاع مؤسسة جيزينجي للأبحاث والدراسات أن "تحالف الجمهور" سيحصل على 48.5% من الأصوات، بينما سيحصل "تحالف الأمة" الذي يجمع حزب الشعب الجمهوري وحزب "الخير" وحزب "السعادة" على 39.8%، لكن حزب الشعوب الديمقراطي سيحصل على 11.5% ليخلط جميع الأوراق وتفوز المعارضة بالأغلبية البرلمانية بنسبة 51.3%.

ولا يخفي أنصار أردوغان وحزب العدالة والتنمية خشيتهم من خروج حليفهم حزب الحركة القومية من البرلمان، وعدم حصوله على 10% من مجموع الأصوات، بعد الانشقاقات التي حصلت في صفوفه، خاصة ميرال أكشينار مرشحة حزب "الخير"، ومجموعات أخرى مؤثرة.

وفقدان حزب العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية يجعل فوز الرئيس أردوغان بمنصب الرئاسة ناقصا في ظل الخلافات والاستقطابات القائمة التي ستتفاقم، والتي قد تعجل بالدعوة لانتخابات جديدة بعد، ليدخل النظام السياسي التركي في دوامة جديدة بعد استقرار نسبي في السنوات الماضية.

والسيناريوهات المختلفة للانتخابات والتي لا تصب في خانة حصول انقلاب كبير في المشهد السياسي التركي الذي يشهد منذ 1999 انتقالا ديمقراطيا، جعلت صناديق الاقتراع المحدد الأساسي في اختيار الحكومات والسياسات رغم الاستقطاب السياسي الحاد، والعوامل الخارجية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!