بيريل ديدي أوغلو – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

برزت بعض المشاكل والأزمات بين أعضاء حلف الشمال الأطلسي "الناتو" خلال الفترة الأخيرة، وفي الواقع يمكن القول إن من أشعل شرارة هذه المسألة هو الرئيس الأمريكي "ترامب"، من المعروف أن الأخير يخلق نزاعات مختلفة مع حلفائه في الناتو وخصوصاً ألمانيا، إذ تُعتبر ألمانيا الدولة الأوروبية الأقوى على الصعيد الاقتصادي، ولذلك ينظر إليها ترامب على أنها السبب الرئيس في بعض الأعمال التي تؤدي إلى زعزعة توازن التجارة بين أمريكا والاتحاد الأوروبي، لكن في الوقت نفسه إن جميع الدول الأوروبية وعلى رأسها ألمانيا تُعتبر حلفية استراتيجية لأمريكا، لذلك عندما انتقد ترامب الدول الأوروبية أفاد رئيس مجلس الاتحاد الأوروبي "تاسك" بهذه العبارات: "نظراً إلى النقص الواضح في عدد أصدقاء ترامب يتوجّب عليه إدراك قيمة حلفائه" مشيراً من خلال ذلك إلى أهمية هذه المسألة.

قد يكون لأمريكا بعض الحلفاء خارج أوروبا مثل السعودية ومصر والأردن وكوريا الجنوبية وأستراليا، لكن تبقى أوروبا الحليف الأقوى لأمريكا والداعم الأقوى الذي أوصلها لهذه النقطة، لذلك إن قول تاسك "يجب على ترامب أن لا يُحزن حلفائه الأوروبيين لأن ذلك قد يؤدي إلى خسارة الجميع" ليس أمراً غريباً.

ترامب لا يتّفق مع ألمانيا، لكنه يتّفق مع المستشارة "ميركل"

عقب الانتقادات الأوروبية لمواقف أمريكا ردّ ترامب بضرورة توجيه الأنظار نحو ألمانيا بدلاً من دولته، ملمّحاً بذلك إلى أن ألمانيا أصبحت تحت سيطرة روسيا، والمقصود في هذا التلميح هي الإشارة إلى المبالغ المادية الضخمة التي دفعتها ألمانيا لروسيا من أجل مصادر الطاقة، وعلى الرغم من وصف ترامب لحليفته ألمانيا بهذا الشكل إلا أنه لم يتردّد في قول: "نحن نتّفق جيداً مع ميركل"، وهذه التصريحات تدفعنا للتساؤل حول عدة مسائل، هل يتّفق ترامب مع ميركل ولكن لا يتّفق مع ألمانيا؟ أم أن ميركل تقول شيئاً ما لترامب ثم تغيّر أقوالها أمام دولتها؟ أم أن ترامب يستغل زعزعة اعتبار ميركل في ألمانيا ويحاول زيادة زخم هذه المشكلة؟ لا يمكننا قراءة عقول الآخرين، لذلك لا نستطيع إدراك الهدف الحقيقي للأشخاص، لكن من خلال تصريح ميركل بعبارة "ألمانيا دولة مستقلة وقادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها" نرى أنها قد قطعت مزاعم ترامب المشيرة إلى أنّه يتّفق جيداً مع ميركل.

الصراع المُشترك ضد الإرهاب

إن موقف ترامب دفع ألمانيا للشعور بضرورة التصريح بأنها دولة محليّة وقوميّة، لكن عندما تتعلّق المسألة بألمانيا فإن هذه المبادرة لا تُعتبر دلائل للخير، لأن استمرار الظروف ومواقف ألمانيا في هذا المنوال قد يؤدي لتحوّل الأخيرة إلى مركز للميول العرقية، والاختلافات العرقية تحمل معها دوافع الفاشية، وبالتالي إن الفاشية ستفرض على ألمانيا إعلان العداوة ضد الجميع.

في هذا السياق إن المشاكل والمخاطر البارزة تدفعنا للتساؤل حول فعاليات الناتو وتأثيره في هذا الصدد، إذ أشارت نتائج اجتماع حلف الناتو إلى وجود بعض الحلول لهذه المشاكل، وهذ الحلول تفرض على الدول الأعضاء التعاون والتحالف في إطار مكافحة الإرهاب، والعمل المشترك ضد التهديدات التي تواجهها أي دولة من أعضاء الحلف، ومن جهة أخرى حاول الناتو لفت الانتباه إلى أن المخاطر التي تهدّد أمان تركيا تُتعبر تهديداً بالنسبة لحلف الناتو أيضاً.

هذه النتائج تحمل أهمية كبيرة لأنها تشير إلى أن حلف الشمال الأطلسي قد أدرك حجم المخاطر التي تواجهها تركيا، لكن ذلك لا يعني انتهاء المسألة لأن التهديدات التي تواجهها تركيا لم تُعرّف بشكل كامل، بتعبير آخر لا نعرف إن كان جميع أعضاء الحلف ينظرون إلى هذه التهديدات على أنها إرهاب،  لذلك لا يوجد أي ضمان لتغيير وجهات نظر الدول الأعضاء تجاه مسألة الإرهاب.

يمكن التعاون في المسائل الأمنية، لكن لا يمكن ترك أمان البلاد لأي جهة أخرى، وكذلك إن دول الناتو لا تقبل ترك أمانها لدولة أخرى، لكن يبدو أن مفهوم التعاون الذي توقّف في الناتو منذ مدة طويلة قد استعاد مفعوله، وهذا تطوّر جيد بالنسبة إلى تركيا، إلا انه يفرض على ألمانيا ضرورة الاختيار إما روسيا وإما أمريكا والاتحاد الأوروبي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس