ترك برس

نشرت صحيفة "أثير" الإلكترونية العُمانية تقريرًا يتضمن معلومات فريدة حول طبيعة العلاقة بين الدولة العثمانية وعُمان.

وجاء في التقرير أنه في عهد السلطان سليمان القانوني (1520 – 1566 م) الذي كان من أقوى سلاطين الدولة العثمانية سيطر العثمانيون على أجزاء كبيرة من الأراضي الأوروبية ووصلوا بحدود دولتهم الإسلامية إلى أوج قوتها وامتدادها حتى منطقة الخليج حينما استطاعوا إخضاع بغداد لحكمهم في عام 1534م، ثم البصرة في عام 1538م بعد صراعهم مع الصفويين، حتى سيطروا على اقليم الإحساء شرقي شبه الجزيرة العربية بعد فترة من الزمن.

وأضاف التقرير: في الجانب الآخر لم تستطع الدولة العثمانية مجابهة الاستعمار البرتغالي في الخليج نتيجة انشغالهم في جبهات أخرى من ممتلكاتهم رغم بعض المناوشات والمعارك بين الطرفين في بحر العرب نقيض ما كان يحدث بالبحر الأحمر من معارك ضارية بين الجانبين انتهت أغلبها لصالح الدولة العثمانية في تلك الأنحاء.

وأغلب ما شغل العثمانيين وسلاطينهم هو صراعهم مع الفرس على فترات زمنية طويلة، فقد مرّ الصراع بينهم بعدة مراحل بدأت عندما استطاع العثمانيّون هزيمتهم في معركة جالديران عام 1514م، وهو ما فتح الطريق للدولة العثمانية ضم بغداد لنفوذها.

وطوال قرنين من الزمان لم ينقطع فيها الصراع بين الطرفين، وانضما إلى تحالفات معادية لبعضهما البعض مما أتاح للبرتغاليين فرصة بسط نفوذهم على الخليج العربي حتى الربع الأول من القرن السابع عشر .

ثم مالت الكفة في بغداد والموصل للفرس بعهد نادر شاه من الفترة 1743 – 1747م، وهكذا كانت الحرب بين الطرفين سجال كر وفر في محيط تلك المناطق .

وأشارت الصحيفة العُمانية أنه في الوقت ذاته كانت عُمان في عهد اليعاربة (1624-1744م) بأساطيلها البحرية القوية تجابه وتطهر المنطقة الخليجية والمحيط الهندي وسواحل أفريقيا من المستعمر البرتغالي لتبقى عُمان مستقلة بذاتها موحدة قوية في إدارتها، ولا تخضع لنفوذ الدولة العثمانية التي جعلت بقية دول الخليج تحت وصايتها وإدارتها، بل كانت تربطها بها علاقات ودية جيدة.

فقد كان العمانيون والأتراك حلفاء منذ القرن السادس عشر، وقامت العلاقات بينهم على أساس التعاون في إدارة المنطقة في الخليج والجزيرة العربية وشرقي أفريقيا.

وفي عهد دولة البوسعيد برزت العلاقات العمانية العثمانية بشكل أكبر وأكثر إيجابية على الصعيدين السياسي والاقتصادي نتيجة نمو العلاقات التجارية بين مسقط والبصرة، ووجود عدو مشترك بين الطرفين متمثل بالخطر الفارسي.

ولا ننسى بأن الدولة العثمانية وبلاد فارس كانتا تكنان لبعضهما العداء لدواع تتعلق بالرغبة في الهيمنة العسكرية والسياسية على بلاد الرافدين والخليج العربي، واختلط كل ذلك بلباس المذهبية الذي جر شعوب المنطقة إلى الهاوية .

أما الحدث الأهم بالنسبة للعلاقات العمانية العثمانية فقد برز حينما تعرضت البصرة في عام 1773م لمرض الطاعون الذي أدى إلى وفاة عشرات الآلاف، ولم يكد أهل البصرة يستفيقون من وجع هذا الوباء وكارثته حتى هاجمها الفرس بقيادة كريم خان الزندي خلال الفترة من عام 1775م وحتى 1776م، وتعرضت للخراب والدمار والشتات.

وهنا طلبت الدولة العثمانية من خلال والي البصرة وأهلها الاستغاثة بالعمانيين وإمامهم السيد أحمد بن سعيد البوسعيدي الذي لبى النداء دون تردد وأرسل جيشه بقيادة ابنه الأكبر هلال لقيادة الأسطول العماني المكون من 34 سفينة كبيرة مزودة بأكثر من 44 مدفعا وعدد من المراكب الصغيرة.

واستطاع الجيش العماني نجدة البصرة ودخولها مما اضطر القائد الفارسي صادق خان إلى الانسحاب والتوقيع على معاهدة صلح مع والي العثمانيين في المدينة بمعية العمانيين.

هذا الموقف النبيل من قبل إمام عمان أحمد بن سعيد قد فرض احترامه أكثر على الدولة العثمانية التي لم تنس جميل صنعه في الإسهام بإنقاذ البصرة، فأصدر السلطان العثماني عبدالحميد فرمانا يقضي بتخصيص مكافأة سنوية لعمان، وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة والامتيازات التي يحصل عليها التجار العمانيون في موانئ الدولة العثمانية وخاصة ميناء البصرة .

لقد استمرت العلاقات الودية بين عُمان والدولة العثمانية بشكل جيد، وشهدت العلاقات التجارية بين مسقط والبصرة نموا ملحوظا في تلك الفترة، وتشير الكثير من الوثائق إلى قوة ومتانة المصالح السياسية والتجارية وحتى العسكرية بين الدولتين تجاه العدو المشترك آنذاك لمناطق نفوذهم.


مراجع :

** الخروصي، صالح بن عامر ، عمان في عهدي الإمام سعيد والسيد سلطان بن أحمد البوسعيدي ( 1783 – 1804م)، بيت الغشام للنشر والترجمة ، الطبعة الأولى -2015م

** سلسلة البحوث والدراسات في الوثائق الوطنية الدولية ، العلاقات العمانية العثمانية في الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية ، هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ( سلطنة عمان) ، الطبعة الأولى 2012م – مسقط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!