ترك برس

يملك معبد "غوبيكلي تيبي" (Göbeklitepe) أهميةً عميقةً كأقدم معبدٍ في تاريخ البشرية يعود للألفية الثانية عشرة قبل الميلاد. ومن المتوقع أيضًا أن يمهّد باعتباره كنزُ تركيا الثامن عشر في قائمة اليونسكو للتراث العالمي الطريق للمواقع الأثرية الأخرى، حيث يساهمُ في السياحة الإقليمية كمهدٍ للحضارات وأقدم موقع لمعبد في العالم.

افتُتِحَ المعبد رسميًّا يوم الجمعة 8 آذار/ مارس الجاري للزوار، في حفل حضره الرئيسُ التركي رجب طيب أردوغان. ويظهرُ الرئيسُ في الصورة بالأعلى مع المواطن محمود يلدز (66 عامًا) الذي يملكُ الأرض التي يقعُ عليها المعبد. ويُعتبرُ غوبيكلي تيبي الذي يُسمّى "نقطة الصفر في التاريخ" تجسيدًا حقيقيًّا لتراث الإنسانية، وهو معروفٌ في قائمة مواقع التراث التابعة لليونسكو.

أكد الرئيس التركي في كلمته خلال الحفل على أهمية غوبيكلي تيبي لتاريخ البشرية، وقال: "لقد أصبح غوبيكلي تيبي بالفعل مرجعًا مهمًّا لإظهار عمق الحضارات الأناضولية حيث قدّم مساهماتٍ ضخمةً في الكنوز الثقافية المشتركة للبشرية".

وفي إطار ترويج الحكومة التركية لأحد المواقع الأثرية الأكثر أهمية في العالم، وتكريمًا لغوبيكلي تيبي الذي يعود للعصر الحجري الحديث الذي يعود إلى الألفية الثانية عشرة قبل الميلاد ويقع في ولاية شانلي أورفا جنوب شرق تركيا، أعلنت الحكومة عام 2019 "عام غوبيكلي تيبي"، وقد أعلن أردوغان ذلك سابقًا في كانون الأول/ ديسمبر عام 2018.

ويتوقع أن يؤدي إعلان عام 2019 عام غوبيكلي تيبي إلى تعزيز السياحة التركية إلى حدٍّ كبيرٍ وإحياء منطقة المعبد خاصة بعد إدراجها في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وقد شهد الموقعُ بالفعل تدفقًّا من السيّاح المحليين والأجانب.

اجتذب غوبيكلي تيبي حتى الآن أكثر من مليون زائر، وتجاوز عدد زواره الإجماليّ خمسة ملايين. ويتوقع أن يجذب المعبدُ المزيد من الاهتمام في العام المقبل لأن الحفريات ستستمرُّ في المنطقة، ممّا سيلقي مزيدًا من الضوء على تاريخ الحضارة العالمية الذي كان مدفونا في المعبد.

وقد أسهمت الأنشطة الترويجية في المعارض الدولية، التي تقوم بها بشكلٍ رئيسيٍّ وزارة الثقافة والسياحة وبلدية شانلي أورفا وممثلو قطاع السياحة التركي، بتعزيز الاهتمام بغوبيكلي تيبي.

وخلال خطابه في حفل الافتتاح الرسمي، قال الرئيس أردوغان إن العديد من المواقع التركية القديمة مدرجة أيضًا في قائمة اليونسكو. وبإضافة غوبيكلي تيبي إلى القائمة، يتمُّ تضمين 18 موقعًا حاليًّا في تركيا في القائمة، بينما يوجد 77 موقعًا آخرين بانتظار الانضمام إليها. كما أكّد الرئيس أن الرقم سيستمرُّ في الارتفاع في السنوات القادمة، وروى قصة اكتشاف الموقع، عندما كان أحد المزارعين في المنطقة يحرث حقله.

ظهرت النتائج الملموسة في الموقع الأثري، والتي لاحظها باحثون من جامعتي إسطنبول وشيكاغو خلال المسوحات السطحية في عام 1963، وفي عام 1986 عندما عثر مزارعٌ على تمثالٍ أثناء عمله في حقله.

وبالنظر إلى أن الحجر الذي وجده كان ذا قيمة، تصرف المزارع بمسؤولية وسلّم هذا التمثال لمتحف شانلي أورفا للآثار. تمّ نحتُ التمثال، الذي لم يكن مفهومًا في البداية، تحت حماية المتحف. وبدأ الأستاذ الألمانيّ الدكتور كلاوس شميدت، الذي جاء لاحقًا إلى المدينة لإجراء تنقيبٍ في منطقة "نيفالي تشوري" ببلدة "هيلفان"، وشاهد النتائج الموجودة في المتحف وأجرى دراسةً تفصيليةً أثبتت أهمية هذه التماثيل. وبإذنٍ من المديرية العامة للتراث الثقافي والمتاحف التابعة لوزارة الثقافة والسياحة التركية، بدأ معهد الآثار الألماني ومتحف شانلي أورفا أعمال الحفر في الموقع برئاسة شميدت في عام 1995. اكتشفت الحفريات مسامير على شكل حرف تي بالإنكليزية "T" مع أشكال حيوانات برية يتراوح طولها من ثلاثة إلى ستة أمتار وتتراوح أوزانها بين 40 إلى 60 طنًّا، تعود إلى العصر الحجري الحديث.

لفت نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي الانتباه إلى الإمكانات السياحية العالية لغوبيكلي تيبي، وأكّد أن حملات وبرامج وزارة الثقافة والسياحة ستعمل بالتأكيد على الترويج للسياحة في مدن تركية جنوبية قديمة أخرى، بما في ذلك غازي عنتاب وأديامان وديار بكر وماردين.

وأضاف: "غيّر غوبيكلي تيبي نظرتنا إلى رواية التاريخ. لقد أدّى اكتشافنا له إلى إعادة تفسير تاريخ العالم".

وفي أثناء حديثه في حفل الافتتاح، ذكر وزير الصناعة والتكنولوجيا التركي مصطفى وارانك مشروعًا تديرُه وزارتُه بالتعاون مع وفد الاتحاد الأوروبي في تركيا، ويهدف مشروع "التاريخ يرتفع مرة أخرى في شانلي أورفا" إلى الحفاظ على الموقع القديم. وكجزءٍ من المشروع، تمّ إنفاقُ 10 ملايين يورو وتخصيص 8.3 مليون يورو من هذا المبلغ من أجل غوبيكلي تيبي. وقد تمّت حماية الموقع بأغشيةٍ مصنوعةٍ بتقنية النانو، تُمكّن الحجاب الغشائيّ للقطع من تجديد نفسه. ويعمل سطح البناء الصلب في موقع غوبيكلي تيبي أيضًا كقضيبٍ مانعٍ للصواعق.

وقبل الاكتشافات الأثرية في غوبيكلي تيبي، اعتقدت الأوساط الأكاديمية أن الإنسان بدأ في بناء المعابد بعد اتّجاهه إلى حياة أكثر استقرارًا، ومع ذلك، فقد تبين أن غوبيكلي تيبي بُني بأيدي مجتمعات الصيادين حتى قبل أن تبدأ ممارسة الزراعة، ممّا غيّر هذه الفكرة بالكامل.

وفقًا لليونسكو، كان غوبيكلي تيبي مكان التقاء آخر الصيادين قبل أن يتحول البشر إلى نمط حياة قائم على الزراعة. ولذلك يعد غوبيكلي تيبي مساحة فريدة من نوعها ونقطة التقاء جوهرية في العصر الحجري الحديث من حيث موقعه وأبعاده وتاريخه والآثار المعمارية والمنحوتات الموجودة فيه.

تجدر الإشارة أيضًا إلى وجود مناطق مستوطنة أخرى يرجع تاريخها إلى الفترة التي يعود إليها غوبيكلي تيبي نفسها. وسيتمُّ عرضُ نسخة وهمية من غوبيكلي تيبي في أكبر معرض عقاري في العالم MIPIM 2019 والذي سيُعقد في مدينة كان الفرنسية بين 12 و15 من الشهر الجاري.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!