د. علي حسين باكير - العرب القطرية

تبادلت كل من تركيا واليونان الاتهامات الأسبوع الماضي بشأن الطلعات الجوية لمقاتلات البلدين فوق بحر إيجه. وقالت الخارجية اليونانية في بيان لها إن الطلعات الجوية للمقاتلات التركية فوق مياه بحر إيجه هي خرق لسيادة اليونان، مشيرة إلى أن الجانب التركي يستمر في خرق المجال الجوي اليوناني بشكل شبه يومي، ومؤكدة على أن هذا الأمر غير مقبول، وعلى تركيا احترام القانون الدولي بكليته. 

في المقابل، رد الناطق باسم الخارجية التركية حامد أكسوي على البيان اليوناني، مشيراً إلى أن محتواه وتوقيته في غاية الغرابة. وقال أكسوي إن تركيا تؤمن بأن الاستعمال الحر للمجال الجوي الدولي فوق بحر إيجه لا يجب أن يكون مجال نزاع بين الطرفين، لافتاً إلى أن اليونان تدعي حيازة ١٠ أميال إضافية من المجال الجوي خارج حدود الستة أميال فوق مياهها الإقليمية، وذلك في تناقض صارخ مع القانون الدولي. وأكد الناطق باسم الخارجية التركية أن رؤية اليونان للطلعات الجوية التركية فوق بحر إيجه كتهديد أو خطر لا يتسق مع علاقات حسن الجوار، فضلاً عن التحالف، في إشارة إلى عضوية البلدين في حلف شمال الأطلسي.

وتعتبر منطقة بحر إيجه من المناطق المتنازع عليها بين البلدين، وقد زادت أهمية المنطقة مؤخراً بعد اكتشافات النفط والغاز في المناطق المجاورة شرق البحر المتوسط، واحتدام النزاع البحري بين تركيا وقبرص التركية من جهة، وقبرص اليونانية واليونان من جهة أخرى. ومع محاولة كل طرف ترسيخ تأكيد أحقيته على المناطق المتنازع عليها، تزداد مخاطر الاحتكاك وربما الاصطدام المباشر. حتى الآن، تدور اللعبة في منطقة بحر إيجه حول التوازن مع تأكيد كل طرف على حقوقه في المنطقة. الرئيس التركي كان قد شرح المعادلة مؤخراً في مقابلة له مع قناة «خبر ترك» التركية، حيث قال إن نشاط المقاتلات التركية فوق المنطقة يأتي كرد فقط على تحركات اليونان، فإذا أقلعت طائرات يونانية باتجاه بحر إيجه فلا بد أن تقلع المقاتلات التركية كذلك، مشيراً إلى أن المقاتلات اليونانية ليست طائرات سياحية.

قبل حوالي ثلاثة عقود، كانت تركيا لا تزال تعاني اقتصادياً، وتعتمد بشكل كبير من الناحية الأمنية على الغطاء الذي يؤمنه لها حلف شمال الأطلسي. وعلاوة على ذلك، فقد كانت تراعي المواقف الغربية عند مقاربة التطورات الإقليمية والدولية التي لا تمسها بشكل مباشر، ولذلك فقد كان هناك نوع من التوازن القائم مع اليونان. لكن مع صعود حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، بدأت الكفة تميل إلى صالح تركيا، اقتصادياً وعسكرياً، بنت أنقرة نفسها بشكل سريع، أصبحت أكثر اعتماداً على ذاتها في سياساتها الخارجية. وفي المقابل تدهور الوضع اليوناني سياسياً واقتصادياً. وبالرغم من أن الطرفين يتحاشان إمكانية الاصطدام، إلا أن أثينا لم تعد قادرة على التنافس العسكري ايضاً، كما كان الحال عليه سابقاً.

يولّد هذا الوضع حالة من الحساسية المتزايدة لدى الطرف اليوناني. وتعمل أنقرة على محاولة احتواء هذا الوضع، من خلال التقارب السياسي مع اليونان، لا سيما مع استقالة وزير الدفاع اليوناني السابق الذي ينتمي إلى حزب الأقلية، والذي كان تواجده يمنع أي تقارب حقيقي بين الطرفين. لكن إلى أي مدى يمكن التغلب على الملفات الخلافية المشتركة بين الطرفين، في ظل حالة عدم الاستقرار الإقليمي والتحالفات الإقليمية الناشئة؟ غالب الظن أن حلّ هذه المشاكل ليس بالسهولة التي قد ينتظرها البعض.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس