ترك برس

ما إن تبدأ الشمس بالغروب، ويقترب موعد الإفطار في شهر رمضان المبارك، تتجلى تأثيرات العمق التاريخي والديني والثقافي والجمالي لمدينة إسطنبول على شوارعها وسواحلها ومبانيها.

مئات الكيلومترات على سواحل مضيق البسفور تتحول إلى متنفس روحاني للمواطنين والسيّاح على حد سواء.

فمن زاوية تصطف طوابير الصائمين في انتظار دورها للحصول على وجبة إفطار تقدمها البلدية، ومن زاوية أخرى هناك عائلات جلبت إفطارها الخاص لتتمتع بتناوله على إطلالة ساحرة.

الحال كذلك في محيط المساجد التاريخية التي تزخر بها المدينة، فبالإضافة للإفطارات الجماعية التي ينفرد بها الشهر الكريم تعج الميادين المحيطة بالأجواء الاجتماعية والروحانية المختلفة.

يحظى الإفطار الجماعي باهتمام كبير لدى الشعب التركي، حيث يعتبر أحد أهم البرامج المتوارثة من أجدادهم العثمانيين في الشهر الفضيل.

وعلى سواحل المضيق الذي يشطر المدينة إلى قسمين، ويفصل قارة آسيا عن أوروبا، أصبحت الإفطارات الجماعية عادة يومية، منها ما هو منظم من قبل البلدية، ومنها ماهو بشكل فردي.

قبيل أذان المغرب، تلهج الألسنة بالاستغفار والدعاء وقراءة القرآن بالتزامن مع صوت أمواج البحر والطيور التي تحلق بين الأشجار ومنارات المساجد الشامخة.

ومؤخراً، بدأت البلديات تتفنن في طريقة تقديم وجبات الإفطار على السواحل، مستفيدة من خبرتها التي تعدت عشر سنوات في تنظيم الإفطارات الجماعية، التي يستفيد منها مئات الآلاف، ولا يقتصر بالطبع ذلك على المواطنين فحسب، بل على سياح وزائري المدينة.

ساحل منطقة أوسكودار، أحد السواحل التي يقبل عليها المقيمون والسيّاح بشكل كبير، نظرًا لإطلالته الشهيرة على الطرف الأوروبي، واحتضانه العديد من المعالم التاريخية والأثرية، كمسجد مهرماه وقلعة الفتاة (Kız Kulesi).

ويحظى الساحل بأجواء رمضانية جميلة طوال الليل، ويزداد إقبال الصائمين للإفطارات هناك في عطلة نهاية الأسبوع (يومي السبت والأحد).

كما وتحظى الميادين والساحات المصاحبة للسواحل بأهمية كبيرة لدى بلديات المدينة، حيث يوجد بها العديد من الخدمات التي يتم تقديمها للصائمين، كالمقاعد والكراسي والأمن والإنارات ومواقد الشواء، وغيرها.

وتتزين مساجد ساحل أوسكدار بالأدعية المرحبة بالشهر الفضيل، إذ يتم تعليق اللافتات الضوئية المعروفة باسم "محيا" على مآذن المساجد، وتحمل عبارات دينية تتغير على مدار الشهر، ويرجع تاريخها إلى العهد العثماني، حيث كانت تصنع من المصابيح الزيتية.

وتستمر الإفطارات الجماعية بأوسكدار يوميا حتى آخر أيام رمضان، قبل أن يحل أول أيام العيد في تركيا.

ويختلف الطعام التقليدي لدى الأتراك في رمضان من منطقة لأخرى، إلا أن القاسم المشترك يبقى الحرص على تناول خبز "البيدا" (المعمول يدويا بالأفران التي تستخدم الوقود أو الأخشاب).

كذلك "البسطرمة" و"الصوجق" (لحوم محفوظة بطريقة خاصة)، وحبات من التمر، إضافة إلى الشوربة التركية"، والتي تعد طبقا رئيسيا في كل الوجبات، إضافةً إلى مشروب اللبن "أيْران" (Ayran).

وكان للدولة العثمانية أثر كبير في العادات والتقاليد الرمضانية الراسخة عند الأتراك، نظرا لاهتمامها بالمساجد والإفطار الجماعي والموائد الرمضانية التي كان يقيمها السلاطين.

كما أنهم كانوا يهتمون بتزيين المساجد ودور العبادة، حتى أن السلطان كان يأمر بتشكيل هيئة لمراقبة الأغذية في الأسواق وتنظيم أسعارها خلال الشهر الفضيل.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!