مصطفى بارودي - خاص ترك برس

هل تغتنم مجتمعاتنا وحكوماتنا الشباب فيها؟ كما فَعلَ من عَلَّمه شديد القوى ومن لا يَنطقُ عن الهوى، عندما عَقد للشاب أسامة بن زيد، الحبِّ ابن الحب، لواء جيش ضم أبا بكر وعمر(رضي الله تعالى عنهما)!

لقد خَصَ الله تعالى بعض البشر بما يُميزهم عن غيرهم، وهناك قدرات شابة اصطفاها بمنة منه بمواهب وإمكانيات نمت وأينعت عندما وجدت التربة الخصبة لها والأجواء الملائمة لإبداعها، تسمى بالمصطلح الحديث في عصرنا هذا: الرواد الشباب، ومن الناحية الاقتصادية: رواد الأعمال الشباب.  

لماذا سُميت أوروبا بالقارة العجوز؟ ولماذا نحن نُعتبر مجتمعات شابة؟

وهل نستفيد من هذه الصفة؟ هناك في تراثنا المضيء الكثير من الأمثلة على ذلك.

أولها- الإمارة: عندما عقد عليه أفضل الصلاة والسلام اللواء للحب أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وهو الشاب ابن الثامنة عشر على رأس جيش لفتح بلاد الشام، فيه كبار صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام مثل عمر رضي الله عنه. ولم يلقَ عمر رضي الله عنه أسامة بن زيد بعدها إلا قال له: السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنت علي أمير. 

وثانيها- الريادة: وهنا تحضُرنا قصة الخليفة الراشدي السادس عمر بن عبد العزيز مع الغلام الشاب من وفد الحجاز، عندما أراد أن يتكلم ذلك الشاب في حضرة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، فنظر إلى صغر سنه وقال له: ليتكلم من هو أسنّ منك، فإنه أحق بالكلام منك، فقال الصبي الشاب: يا أمير المؤمنين لو كان القول كما تقول، لكان في مجلسك هذا من هو أحق به منك. قال له: صدقتَ، فتكلم. وبعد ذلك قال له: عظني يا غلام. وبعد أن انتهى ذلك الـشـاب من الكلام والعظة، نظر عمر إلى سـن الغلام فإذا له اثنتا عشرة سنة فأنشد عمر رحمه الله تعالى:

تعلم فليس المرء يولد عالمًا . . . وليس أخو علم كمن هو جاهل

فإن كبير القوم لا علم عنده . . . صغير إذا التفت عليه المحافل

ونتابع الخطى على إضاءات سلفنا لنصل إلى البشرى في فتح عاصمتنا إسطنبول، ونصل إلى ثالثها وهي- القيادة: حين بشرنا بذلك عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي لا ينطق عن الهوى، بحديثه مُثنيًا على هذا الشاب ومن معه بقوله:

لتُفتَحن القسطنطينية، فلنِعم الأمير أميرها، ولنعِم الجيش ذلك الجيش.

إنه القائد محمد بن السلطان مراد الثاني من سلالة بني عثمان الذي زرع فيه شيخه وأستاذه الشيخ: آق شمس الدين أنه هو المقصود من حديث رسول الله.

فصنعه رائدًا قائدًا فاتحًا، ليكمل مهمة قُتل فيها العديد في سبيل الله، ومنهم كبار الصحبة الكرام وعلى رأسهم الصحابي الجليل أبو أيوب الأنصاري في أول جيش لتلك المهمة جيش يزيد بن معاوية بن أبي سفيان وبعده جيوش أخرى.

وبعد انتظار لأكثر من ثمانية قرون، فتح الله تعالى القسطنطينية وتحققت البشرى النبوية العظيمة على يد ذلك الشاب ذي الثلاث والعشرين ربيعًا: السلطان محمد، وقد لقب بعدها بالسلطان محمد الفاتح لأجل ذلك.

ووصولًا إلى عصرنا الحالي الذي يتسم بعصر الشباب روحًا وعمرًا في بلادنا، والذي يجب علينا اغتنام شبابه باختيارنا خيرة شبابنا، نجد أن النموذج التركي هو الأكثر اتساقًا مع فكرة تقدم الشباب الواعد. فقد قدم حزب العدالة والتنمية التركي أكبرالأحزاب التركية شعبية وتطورًا وشبابًا الشابة النائب رميصاء كافاك، البالغة من العمر 22 عامًا، وهي أصغر الأعضاء في مجلس النواب التركي سنًا.

وإذا نظرنا في معدل أعمار الحكومة التركية العتيدة الحالية نجد أنه بعد مرور ما يقارب السنة على تشكيلها فإن متوسط أعمار أعضائها الوزراء خمسون سنة، وإذا دققنا فيها أكثر نجد أن أصغر ثلاثة وزراء فيها لم يتجاوزوا الأربعين سنة عند تشكيلها، فالشابة السيدة زهراء زمرد سلجوق وزير العمل والخدمات الاجتماعية هي أصغر السيدات سنًا والتي لم تتجاوز الأربعين سنة عند دخولها الحكومة حينها، وهي خريجة الولايات المتحدة الأمريكية.

أما أصغر الشباب الوزراء سنًا في الحكومة التركية هو الشاب براءت البيرق وزير المالية والخزانة التركي، والذي لم يتجاوز الأربعين سنة أيضًا عند دخوله هذه الحكومة، وهو خريج الولايات المتحدة الأمريكية أيضًا.

ويكتمل العقد الأكثر شبابًا بثالثهما الشاب عبد الحميد غل وزير العدل التركي وقد بلغ حينها إحدى وأربعين سنة، وهو خريج جامعة أنقرة التركية.

هذا ما أتمنى أن يكون الأسوة والقدوة الحسنة لحكوماتنا العتيدة، ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الاقتصادية والشركات التجارية في بلادنا.

إن الشباب ثروة وقوة تنقلنا من حالة الهرم التي عانينا منها طويلًا، إلى عمران فتي لمجتمعاتنا الشابة بسواعد شبابها الواعد. 

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس