أمين بازارجي – صحيفة أكشام – ترجمة وتحرير ترك برس

هل تلاحظون معي بأنّ القارة الأفريقية أصبحت وكأنّها بجوارناجغرافياً. فالوفود تأتي وتذهب بشكل مكثّف. وكأنّ الرّئيس أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو ومن ورائهم الوزراء أعلنوا النّفير العام إلى القارة الأفريقية. فما إن تجد أحدهم يعود من هذه القارّة، إلّا وتجد الآخر قد عزم على زيارتها. فعندما قال المسؤولون الأتراك "الانفتاح على القارة الأفريقية" فإنّهم يعطون حقّ هذا الانفتاح بكلّ معنى الكلمة.

لقد قُمنا بزيارة الدّار البيضاء المغربية يوم الإثنين الفائت وانتقلنا من هناك إلى الرّباط. لنشارك في فعاليات الأيام الثقافية التركية المغربية. وكنّا نحن الصّحفيّين جزءًا من الوفد التركي الكبير الذي ترأّسه نائب رئيس الوزراء "نعمان كورتولمش".

كان السّبب الرّئيسي للزّيارة المشاركة في فعاليات الأيام الثّقافية، لكن هذه الزّيارة لم تقتصر على الفعاليات الثقافية فحسب. فنائب رئيس الوزراء كورتولمش عقد عدّة لقاءات رفيعة المستوى مع المسؤولين المغاربة. تناول خلالها العلاقات الثّنائية بين البلدين وشارك في افتتاح عدد من المشاريع المشتركة. وبالإضافة إلى اللقاءات الرّسمية، قام السيد كورتولمش بإلقاء محاضرة تحت عنوان "منظور الحضارات" أمام جمع من الأكاديميّين والطّلاب المغاربة.

وضمن فعاليات أيام الثّقافة التركية المغربية، قامت فرقة موسيقية تابعة لوزراة الثّقافة التركية بعرض مقطوعاتٍ موسيقية تعكس الحضارة التركية، كما تمّ فتح معرضٍ للآثار العثمانية القديمة. وفي المحصّلة أستطيع أن أقول، إنّنا أمضينا يوماً مليئاً بالثّقافة التركية في المغرب.

إنّ عرض الآثار العثمانية القديمة خلال فعاليات الأيام الثقافية التركية المغربية، تعكس العلاقات الوطيدة بين البلدين والتي استمرّت لأكثر من أربعة قرون. وهنا لا بدّ لي أن أعترف بأنّنا أهملنا هذه العلاقات خلال السّنوات الأخيرة الماضية. إلّا أنّنا نحاول سدّ هذه الثّغرة من خلال عملية الانفتاح على القارة الأفريقية، وذلك على الرّغم من حالة عدم الاستقرار التي تسود هذه المنطقة.

إنّ مجموع عدد السّفارات التركية في القارة الأفريقية كانت  12 سفارة حتى شهر أيار/ مايو من العام 2009. أمّا اليوم، فإنّنا نجد أن عدد السّفارات التركية قد ارتفع إلى 39 سفارة، حيث قامت الحكومة التركية بفتح سفاراتٍ جديدة في كلٍّ من (الصّومال وغامبيا وموريتانيا وأوغندا وكونغو وجيبوتي والنّيجر وجنوب السودان وغانا ورواندا وغينيا وساحل العاج وزامبيا وبوركينا فاسو ومالي ودولة تشاد).

ولم تكتفِ الحكومة التركية بفتح السّفارات في هذه الدّول، بل عملت على فتح 11 فرع لوكالة التّعاون والتّنسيق التركية (TİKA) في عدد من دول القارة، بالإضافة إلى فتح مراكز الثّقافة "يونس إمره" في عدد من المدن الأفريقية. وبناءً على ما تمّ إنجازه في هذه القارّة يمكننا أن نقول بأنّ الدّولة التركية أيضاً حاضرة في القارة الأفريقية مثلها مثل بقية الدّول الكبرى.

إنّنا متواجدون في هذه القارّة من خلال ثقافتنا ورجال أعمالنا واستثماراتنا المتنوّعة في كافّة المجالات التنمويّة. فإنّنا فعّالون بشكل جيد في هذه القارّة. فالدّولة التركية تُعدّ من الدّول التي يلمع نجمُها إلى جانب الصّين. فالقارّة الأفريقية أصبحت بمثابة المكان الذي يتمّ اكتشافه من جديد. فقبل عدّة سنين كان استخراج النّفط والغاز الطّبيعي محصوراً في ليبيا والجزائر فقط، أمّا الأن فإنّنا نرى أنّ إنتاج القارة بشكل عام لهذه الموارد الطّبيعية قد زاد بشكل كبير. فهذه القارّة غنيّة بثرواتها المعدنية أيضاً. ففيها يوجد الذّهب والبلاتين والألماس واليورانيوم.

وبحسب التّوقّعات فإنّ القارة الأفريقية سوق تؤمّن في المستقبل القريب ما يقارب 30 بالمئة من احتياجات الكرة الأرضية من مادّتي النّفط والغاز الطّبيعي. ولهذه الخاصية التي تتمتّع بها القارّة، فإنّ الكثير من الدّول الأوروبية تعتزم الاستثمار فيها.

لكنّ الفرق بين استثماراتنا واستثمارات الدّول الغربية في هذه القارّة يكمن في اتّباعنا وسائل جديدة للاستثمار. فالدّول الغربية تحاول الاستثمار عن طريق الوسائل القديمة التي تقوم على استغلال الشّعوب ونهب خيرات البلاد مقابل تقديم جزءٍ بسيط من منتجات الدّول لشعوبها. أمّا نحن في تُركيا فإنّنا نحاول الاستثمار بشكلٍ نقدّم فيه الخدمات لشعوب المنطقة، حيث تقوم السياسة الاستثمارية للدّولة التركية على أساس حفر آبار المياه التي تُعدّ من أكبر المشاكل التي تعاني منها شعوب تلك المنطقة، كما تقوم الدّولة التركية بتأهيل سكّان المنطقة وتعليمهم أساليب تربية الحوانات والمواشي. ولا شكّ أنّ شعوب تلك المناطق أصبحت تُدرك التّمييز بين النّوايا الطّيبة والنّوايا الخبيثة.

وعلينا أن نُقيّم زيارة الوفد التركي إلى المملكة المغربية ضمن هذا الإطار.

عن الكاتب

أمين بازارجي

كاتب في جريدة أقشام


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس