ياسين أقطاي - يني شفق

ن نموذج خطير للغاية بالنسبة للآخرين لو نجح في تجربته. ولهذا فإن الإمارات تعاونت مع نظام السيسي الانقلابي في مصر ودعمت جنرالا ليبيا متقاعدا يدعى خليفة حفتر بالسلاح في محاولة للنيل من إرادة الشعب الليبي عن طريق تنفيذ انقلاب عسكري. فالإمارات تكرر في ليبيا نسخة أكثر همجية ووحشية مما فعلته في مصر. وإن الشيء الذي يحاولون فعله من خلال حفتر، الذي جعلوه رأس الإرهاب وهو يعتقد أنه حصل منهم على شهادة "الحرب على الإرهاب"، إنما هو قتل الديمقراطية وهي لا تزال في مهدها.

وعلى أي حال فليس من الصعب أبدا أن يجد أمثال هؤلاء داعمين أوروبيين كفرنسا التي لا ترى عيناها حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو حتى جرائم الحرب عندما ترشى بالنفط والدولارات.

لقد رأينا بوضوح، لا سيما خلال موجات الربيع العربي، أن لا أوروبا ولا الولايات المتحدة تلقي بالا أو تهتم بعملية التحول الديمقراطي في العالمين العربي والإسلامي؛ إذ إن الشيء الوحيد الذي تفكر به تلك البلدان فهو كيفية السيطرة على شعوب هذه الدول وثرواتها. ويمكن لهذه الدول أن تكشف عن أشرس وجوهها في الوقت الذي تحاول فيه بسط سيطرتها على تلك الشعوب، كما أنها لا تمانع الاشتراك في ارتكاب الجرائم مع شخصية كحفتر الذي يجب محاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بسبب جرائم الحرب التي يرتكبها في ليبيا، وهو ما لا يمكن تفسيره ألا بأنهم لا يريدون شيئا سوى الاستيلاء على ثروات ليبيا ومقدراتها.

وإذا نظرنا إلى الأمور من هذه الزاوية، سنرى أن الأخبار والتعليقات التي نشرتها وسائل الإعلام الأوروبية وكذلك المصرية والسعودية والإماراتية عقب الانتخابات المحلية في تركيا يوم 31 مارس والانتخابات المعادة في إسطنبول يوم 23 يونيو من نوعية الأخبار والتعليقات الهزلية المضحكة.

لقد بدت وسائل الإعلام تلك وكأنها سترقص وتهلل بعد فوز مرشح حزب الشعب الجمهوري برئاسة بلدية إسطنبول. فهم يعلقون على فوز حزب الشعب الجمهوري بأنه "نهاية أردوغان"، ويعتبرون ذلك خبرا مبشرا. ولا شك أننا لا نتعجب من هذا الأمر.

إن النتائج التي يتقبلها حزب العدالة والتنمية أو أردوغان ويعتبرها تجليا لإرادة الشعب في السياسة الداخلية لتركيا يراها الإعلام العربي على وجه الخصوص كبشرى للتخلص من النموذج التركي وبالتالي من احتمال قدوم الديمقراطية إلى دولهم. لكننا هنا أمام وضعية تراجيدية-كوميدية في حد ذاتها، ألا وهي أنهم عقدوا كل آمالهم في تركيا على النظام الديمقراطي، بل وأصغوا سمعهم ليتلقوا نتيجة جاءت من خلال مراحل ديمقراطية بكل ما تحمل الكلمة من معنى.

لا شك أنهم لا يطلقون مصطلح "نهاية الديمقراطية" على فوز حزب الشعب الجمهوري أو خسائر حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، ليعبروا عن فرحتهم أسفل هذا العنوان. لكنهم يعلمون علم اليقين أن حزب العدالة والتنمية هم اسم الديمقراطية في العالم الإسلامي بالنسبة لهم، وأن الشيء الأساسي الذي منحهم الحماس لدى خسارته إنما هو احتمال "نهاية الديمقراطية".

وبطبيعة الحال فإن سعادتهم هذه تكشف النقاب عن وقاحتهم وتواطئهم مع حلفائهم الغربيين. ربما يكون حزب العدالة والتنمية قد خسر إدراة بعض المدن في تركيا، لكن الديمقراطية لم تخسر، بل إنها هي التي ربحت، ولهذا فإن حزب العدالة والتنمية ربح كثيرا. لأن الديمقراطية هي التي صنعت حزب العدالة والتنمية، أي إرادة الشعب التي حاولوا وءدها في بلدانهم. واليوم فإن لا تركيا أو إسطنبول أو حتى حزب العدالة والتنمية سيخسر شيئا إذا ما قررت إرادة الشعب نفسه اختارت حزبا آخر غير حزب العدالة والتنمية ليدير إسطنبول. لكنهم هم أنفسهم الذين سيستمرون في الخسارة لأنهم عجزوا عن تعلم الدرس الحقيقي الذي يجب عليهم تعلمه من نموذج تركيا الرائع هذا.

ومتى كانت آخر مرة أجريت فيها انتخابات حقيقية في هذه الدول التي تثق بإرادة الشعب والديمقراطية والانتخابات في تركيا ليخسر حزب العدالة والتنمية؟ ولقد رأيت تعليق أحد الشباب العرب يطرح سؤالا على وسائل الإعلام الإماراتية والسعودية التي هللت لخسارة العدالة والتنمية بعض البلديات في تركيا بقوله "وبالمناسبة، متى كانت آخر مرة أجريتهم فيها انتخابات؟ وحسبما أتذكر كانت آخر مرة أجريتهم فيها انتخابات عندما اختار وفد يضم ممثلي قبائلكم كافة رجلا ليقتل النبي الذي جاء ليحييهم جميعا".

لقد وصلت تركيا يوم 23 يونيو إلى أبرز مراحل هذا الطريق، لا إلى نهايته، بفضل نموذجها الذي يلهم الشعوب العربية ويشجعها على التمسك بإرادتها الحرة.

وإن فوز حزب معارض لحزب العدالة والتنمية، الذي يحكم البلاد منفردا منذ 17 عاما، ببلديتي إسطنبول وأنقرة يثبت بشكل قاطع أن الديمقراطية في تركيا تعمل بشكل حقيقي ونضج كبير. وهو ما يعني أن هناك المزيد من الأسباب الآن ليشعر البعض بالقلق والخوف.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس