ترك برس 

نشر مركز جيوبوليتكال فيوتشرز تقريرا كتبه المحلل زاندر سنايدر، رأى فيه أن شراء تركيا منظومة الدفاع الروسية إس-400 ليس مؤشرا على تحالف استراتيجي ناشئ بين أنقرة وموسكو، ولكنه يأتي في إطار استراتيجية أوسع لتنويع إمدادات الأسلحة التركية. 

ويقول سنايدر في مستهل تقريره إنه قبل أن تتسلم تركيا الشحنات الأولى من أنظمة الدفاع الجوي الروسية إس-400، اعتقد كثيرون أن اتفاقها لشراء المعدات العسكرية روسية الصنع كان مجرد تكتيك للتفاوض على شروط أفضل لشراء منظومة باتريوت الأمريكية.

وأضاف أن الواضح أن الأمر لم يكن كذلك. والآن وبعد استبعاد تركيا من برنامج الطائرات المقاتلة "إف-35" الأمريكية، يتساءل الكثيرون عن سبب مخاطرة تركيا بالتخلي عن مقاتلة حربية من الجيل الخامس مقابل منظومة إس-400.

ويجيب بأن شراء تركيا إس 400 لا يتعلق فقط بشراء نظام دفاعي، بل كان حول بناء قدراتها الخاصة بشكل أكثر استقلالية.

وأوضح أن تركيا تحاول منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي تطوير صناعتها العسكرية الخاصة، وهي مهمة تتطلب اتفاقيات لنقل التكنولوجيا، تأتي غالبا مع شراء الأسلحة، لتعلم كيفية تطوير أنظمة مماثلة على المستوى المحلي. وقد رفضت الولايات المتحدة منح تركيا حقوق نقل التكنولوجيا لصواريخ باتريوت. 

أما بالنسبة للتوقيت، فقد وقعت تركيا على اتفاقية "إس-400" مع روسيا قبل أن تُصدر الولايات المتحدة قانون كاستا الذي قد يعرضها لعقوبات ثانوية بسبب شرائها للمنتجات الدفاعية الروسية.

ويعود الكاتب فيقول إن السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا تخاطر تركيا بمكانها في حلف الناتو الذي حماها من خصمها القديم، روسيا، بشراء نظام أسلحة توجد بدائل له؟ ولماذا تسمح الولايات المتحدة لحليف مهم بشراء نظام دفاعي قد يعرض برنامج إف 35 للخطر، ويعرض حلف الناتو ككل للخطر أيضا؟

ويقول إن واشنطن تصرفت بتهور حين تخاطر بفقد حليفها الوثيق لمجرد رفض حقوق نقل التكنولوجيا وبضعة مليارات من الدولارات، وهنا يكمن الجواب في رغبة تركيا المتزايدة في متابعة مصالحها الخاصة، بعيدا عن حلفائها في الناتو.

نحو سياسة خارجية مستقلة

ويعرض سنايدر توسع أوجه الخلاف بين الولايات المتحدة وتركيا خلال الأعوام القليلة الماضية، مثل دعم واشنطن لقوات سوريا الديمقراطية، وفرض رسوم أمريكية على الصلب التركي، وفرض عقوبات على مسؤولين أتراك بسبب حبس القس الأمريكي، ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن المتهم بتدبير محاولة الانقلاب العسكري.

ويخلص من ذلك إلى أن شراء إس 400 ينبغي النظر إليه على أنه أقل من كونه علامة انهيار للعلاقة الثنائية، بل علامة على مسار جديد لأنقرة وهو اتباع سياسة خارجية تركية مستقلة.

ولكن الكاتب يستدرك بالقول بأنه ما يزال صحيحا أن تركيا تعمل على زيادة التعاون مع روسيا، رغم التاريخ الطويل من الصراع بينهما، وقد شهدت التجارة بين البلدين نموا ملحوظا، وتعتمد تركيا على روسيا كأكبر مورد للغاز الطبيعي.

ومع ذلك، والكلام لسنايدر، فإن أنقرة وموسكو ليستا صديقتين تماما، حيث ما يزال البلدان يدعمان الأطراف االمتصارعة في شمال غرب سوريا، حيث تدعم روسيا نظام الأسد، بينما تدعم تركيا المعارضين له.

اهتمامات متباينة

ووفقا لسنايدر، فإن صفقة إس 400 سيكون لها آثار على علاقة تركيا بحلف الناتو، ويتطلب فهم هذه الآثار فهم سبب انضمامها إلى الناتو في المقام الأول، إذ كان  خوف تركيا من روسيا هو الذي دفعها إلى التحالف.

ولكن روسيا اليوم مجرد ظل للإمبراطورية السابقة التي كانت عليها، فهي غارقة في أوكرانيا، وتواجه تحديات اقتصادية حادة، ولا تزال معدلات تأييد الرئيس فلاديمير بوتين تنخفض، ولديه مشاكل أكبر للتعامل معها من تركيا.

ويضيف أن روسيا كانت حريصة على تجنب المواجهة مع القوات التركية في سوريا، ولذلك أعطى الضعف النسبي لروسيا تركيا حرية أكبر في التصرف بشكل مستقل عن حلفائها المناهضين لروسيا.

ويلفت إلى أمر آخر  يجب مراعاته عند النظر إلى هذه الصفقة هو العوامل السياسية، وقد تعامل الجانبان، خاصة الولايات المتحدة، مع هذه الصفقة بطريقة ضيقت هامش المناورة على الرئيس التركي، الأمر الذي جعل من الصعب عليه التراجع دون أن يخسر ماء وجهه.

ويختم ساندر بالقول: "إنه كان الممكن حل النزاع حول إس-400 من خلال قنوات دبلوماسية أكثر تقليدية، لكن هذا لم يكن ليغير المسار طويل الأجل الذي بدأته تركيا منذ زمن. وبصرف النظر عمن يكون في البيت الأبيض، فسوف تستمر أنقرة في محاولة تأسيس سياسة خارجية مستقلة أكثر من أي وقت مضى".

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!