باسل الحاج جاسم - المجلس الروسي للشؤون الدولية

ما زالت الانتقادات والضغوط السياسية والإعلامية مستمرة على الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بسبب قراراته الأخيرة حول سورية، والواضح ان أغلب تلك الانتقادات يحركها تصفية حسابات سياسية وإعلامية، ودوافع أخرى، في قضايا وملفات وصفقات لا علاقة لسورية والسوريين بها، ووجد معظم المنتقدين لترامب، الحدث السوري فرصة للانتقام.

ترامب بقراراته العقلانية الأخيرة التي اتخذها في سورية، تنفيذًا لوعود انتخابية سابقة، تصب أولًا و أخيرًا في مصلحة المواطن الأميركي "أميركا أولًا"، ومع ذلك جعلته يتعرض لحملة شرسة من الانتقادات، حيث رد عليها "رغم أنّ أرواح قرابة الـ500 ألف إنسان أزهقت في سورية حين كان باراك أوباما رئيسًا، إلا أن الإعلام قد غضبَ في الساعات الـ72 الأخيرة حيال سياستنا في سورية أكثر ممّا غضب طيلة سبع سنين من المذابح".

في الواقع قد لا يعلم المواطن الأميركي أن بعض الأجهزة والادارات الأميركية الرسمية، دعمت وزودت الأسلحة للميليشيات الكردية "ي ب ك/ ب ي د" (امتداد سوري لتنظيم بي كي كي المدرج على قوائم الإرهاب في الناتو)، التي نفذت عمليات تطهير عرقي للعرب في سوريا، وجرائم حرب وفقًا لتقارير منظمة العفو الدولية، قبل وفي أثناء وبعد الحرب على داعش، جرائم حرب عجز أعتى ديكتاتور في العالم على تنفيذها، تضمنت عمليات تهجير وهدم وحرق منازل، ومسح قرى بأكملها من على وجه الأرض.

والسؤال هنا: هل يعلم ترامب والمواطن الأميركي دافع الضرائب، عن الجرائم والفظائع التي ارتكبتها تلك الميليشيات "ي ب ك/ ب ي د" التي استغلت الدعم العسكري الأميركي بحجة محاربة داعش، وبدأت تعمل على بناء كيان انفصالي لا يملك أي مقومات ديمغرافية او جغرافية داخل أراضي الجمهورية العربية السورية، فنسبة الأكراد لا تتجاوز ستة بالمئة في سورية، وسبق وكشف المبعوث الدولي السابق إلى سورية ستيفان ديمستورا أن نسبة الأكراد هي خمسة بالمئة، وبالإضافة إلى أن المناطق التي يسكنون فيها لا يوجد أي تواصل جغرافي بينها، ولا يمتلكون فيها أغلبية مطلقة، إلا أن الحرب على داعش جعلتهم يتمددون ويسيطرون على مدن وبلدات عربية، مثل الرقة، وتل رفعت ومحيطها، ومنبج، ودير الزور، وبلدات في ريف الحسكة.

والأمر الذي لا مفر من ذكره، أن الكل يتعامل مع ما يجري شرق الفرات من زاوية تتعلق بتركيا فقط، ويتم تجاهل أن هذا الخطر اليوم يهدد ملايين العرب، داخل سورية، حيث يشكلون أكثرية مطلقة وفق معظم الدراسات والبيانات، الرقة يشكل العرب فيها اكثر من 92 بالمئة، الحسكة يشكل العرب فيها أكثر من 75 بالمئة، ودير الزور يشكل العرب فيها 100 بالمئة، منبج يشكل العرب فيها أكثر من 94 بالمئة، تل رفعت العرب فيها 100 بالمئة، والباقي خليط عرقي من أكراد وتركمان وجركس وشيشان وآشوريين وسريان وأرمن.

كما يتجاهل العالم، أن مصير هؤلاء الملايين من العرب قرابة نصف سكان سورية بات في مهب الريح، بعد التقارير التي صدرت عن منظمة العفو الدولية وتحدثت بوضوح عن جرائم حرب تعرض لها العرب شمال و شرق سورية على يد الميليشيات "ب ي د/ ي ب ك - بي كي كي " التي تشكل عمود فقري لما يعرف قوات سورية الديمقراطية، وكشف ترامب قبل أيام انها أطلقت سراح بعض سجناء داعش بهدف الإساءة إلى الولايات المتحدة.

قالت منظمة العفو الدولية، في تقرير صدر أواخر عام 2015، أن بعثتها لتقصي الحقائق في شمال سورية كشفت عن موجة من عمليات التهجير القسري وتدمير المنازل، تعد بمثابة جرائم حرب نفذتها الإدارة الذاتية بقيادة حزب الاتحاد الديمقراطي "ب ي د"،الحزب الكردي السوري الذي يسيطر على المنطقة، وقالت لمى فقيه، مستشارة الأزمات لدى المنظمة، "إن الإدارة الذاتية، بإقدامها عمدًا على تدمير منازل مدنيين، وفي بعض الحالات تدمير وإحراق قرى بأكملها، وتشريد سكانها من دون أية أسباب عسكرية يمكن تبريرها، إنما تسيء استخدام سلطتها، وتنتهك بصفاقة القانون الإنساني الدولي في هجمات تعد بمثابة جرائم حرب.

كما علينا ألا ننسى بأن الولايات المتحدة هي من تسبب بقلب التوزع السكاني في المنطقة رأسًا على عقب، وبظهور هذا المشهد المعقد اليوم، بحجة مكافحة تنظيم داعش، حيث اعتمدت على ميليشيات عرقية يسيطر عليها تنظيم "بي كي كي، و"وصفه الرئيس الأميركي قبل أيام بأنه أسوا من داعش"، وقامت بدورها بعمليات تهجير طالت الأغلبية العربية، وبعض الأكراد والتركمان من المناطق الممتدة بين ريف الحسكة والرقة، وريف عين العرب في بلدة الشيوخ، كما أنها عمدت إلى تغيير أسماء المدن والبلدات العربية، وفرضت على العرب السوريين من مدن سورية أخرى نظام الكفيل من أجل دخول المناطق التي تسيطر عليها، وقامت بفرض مناهج تعليم اللغة الكردية في مدن وبلدات وقرى لا يوجد ولا كردي واحد فيها، ورفعت صور زعيم "بي كي كي" عبد الله أوجلان  في شوارع وساحات ومدارس كل تلك المدن العربية، مع أن أوجلان مواطن تركي وليس سوري.

اليوم، تحاول معظم وسائل الإعلام جعل تلك الميليشات "ضحايا" وهي المسؤولة عن جرائم حرب، والسبب الرئيسي هو أنها تريد الإساءة إلى قرارات ترامب، ويبدو أن الجغرافيا اختلطت عليهم، ويعتقدون أن تلك المنطقة هي حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، ويتحدثون عن خشيتهم من تغيير ديمغرافي، ولا يعرفون أن المنطقة بين رأس العين وتل أبيض هي منطقة عربية بشكل شبه كامل، فبدل أن يلتفتوا إلى حدود بلادهم مع المكسيك، يبدو أنهم يريدون تثبيت التغيير الديمغرافي الذي قامت به تلك الميليشيات العرقية "ي ب ك" التي قامت واشنطن بتسليحها ودعمها.

عن الكاتب

د. باسل الحاج جاسم

كاتب وباحث في الشؤون التركية الروسية، ومستشار سياسي، ومؤلف كتاب: كازاخستان والآستانة السورية "طموحات نمر آسيوي جديد وامتحان موسكو"


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس