ياسين أكتاي – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

مع حلول يوم الخامس عشر من آذار/ مارس، دخلت الثورة السورية عامها الخامس. والحقيقة أنّ الهدف الرّئيسي لهذه الثورة في بداياتها اقتصر على المطالبة بحق الشّعب في الحرية والدّيمقراطية وتعامل القيادة السورية مع شعبها بنوع من اللين بدل تضييق الخناق على المواطنين عن طريق أجهزة استخباراتها. ولذلك كانت شعارات الثورة الثورية في بداياتها مختلفة عن شعارات الثورات العربية التي حدثت في البلدان الأخرى، فلم يخرج الشّعب السوري في بداية الثورة بشعار "الشّعب يريد إسقاط النّظام" إنّما تبنّى هذا الشّعب بشعارات الإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري.

لو أنّ بشار الأسد ونظامه تعاملا بحكمة مع هذه الشّعارات والمطالب الشعبية، لما تدهورت الأمور وساءت كما هي عليه الآن. فالشّعب السوري لم يكن مُصرّاً كبقية الشّعوب على إسقاط النّظام. ومقابل ذلك تخوّفت القيادة السورية من حدوث تظاهراتٍ ضخمة في سوريا على غرار ما حدث في البلدان العربية التي شهدت نوعاً من الفوضى أثناء الثورة، فلجأت إلى الطّريقة الأسهل برأيها وهي طريقة استخدام العنف لقمع الثورة، لا سيما أنّ النّظام السوري لجأ إلى هذه الطّريقة من قبل وكانت قد نجحت في الحفاظ على السلطة في البلاد.

ففي عام 1980 قام النّظام السوري بقيادة حافظ الأسد بقتل ما يزيد عن 30 ألف مواطن سوري في محافظة حماه. واستطاع النّظام آنذاك إخماد الثّورة السلمية التي بدأت شرارتها من هذه المدينة. وعندما بدأت الثورة السورية المستمرة حتّى الأن، ظنّ النّظام أنه سينجح ايضاً في إخماد نار الثورة الشّعبية من خلال إجراء مجزرة يخيف من خلالها الشّعب السوري. لكن الوضع الآن مختلف عمّا كان عليه في الثّمانينات. فقد ازداد سخط الشّعب السوري على النّظام الحاكم بعد كل مجزرة قام بها النّظام بحقّ المدنيّين. فالأسد ونظامه ساهما بشكلٍ لا إرداي في توسيع الطّبقة الشّعبية المعارضة له من خلال اتّباعه لأساليب القمع ضدّ المتظاهرين.

وإنّنا لو أردنا رسم الحالة السورية، نجد أنّ هناك نظاماً ديكتاتورياً يحاول البقاء في السلطة من خلال شنّ حرب على شعبه. كما نجد أنّ هناك ما يزيد على 400 ألف قتيل نتيجة هذه المحاولة وأكثر من عشرة ملايين نازح ومهجّر. ومع استمرار الوضع على هذه الشّاكلة، فقد ظنّ الجميع أنّ الأسد لن يستطيع الاستمرار في السلطة لفترة مطوّلة، فقد قامت جميع الدّول بالتّنديد بالمجازر التي إرتكبها النّظام السوري ضدّ شعبه عدا إيران وروسيا. فقد كانت البيانات الصّادرة في هذا الخصوص تنادي بوجوب رحيل الأسد عن السلطة.

ومع اقتراب نهاية النّظام الأسدي في سوريا، ظهرت أطراف جديدة تقف إلى جانب الأسد مثل الاتحاد الأوروبي وبعض الدّول الخليجية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. مع العلم أنّ هذه الدّول كانت تعارض وبشدّة بقاء الأسد في الحكم. فقد بدأت الولايات المتحدة الأمريكية بالاحتجاج بمبرّراتٍ مثل زعمها أن لا بديل حتّى الأن للأسد في سوريا وما شابه ذلك من مبرّرات غير مقنعة.

إنّ هذا التّحول الغريب في الموقف الدّولي حيال رحيل الأسد، ولّد نوعاً من الغضب الشّعبي ضدّ هذه الدّول وأدّى ذلك إلى ظهور الجماعات المتشدّدة في سوريا. ولربّما ظهور تنظيم الدّولة (داعش) جاء نتيجة هذه التّحوّلات في مواقف تلك الدّول.

فالموقف الأمريكي حيال تنظيم داعش غريب جداً، فالأمريكان الأن يحاولون جاهدين للقضاء على هذا التنظيم وناسين في الوقت ذاته أنّ سبب ظهور هذا التنظيم هو ممارسات النّظام الأسدي.

الإدارة الأمريكية تدّعي بأنّه لا بديل حقيقي للأسد في سوريا حتّى الآن، إلّا أنّ رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو أشار الأسبوع الماضي إلى البديل الحقيقي للأسد في سوريا عندما قال بأنّ البديل هو الدّيمقراطية، وذلك أثناء استقباله في مقر رئاسة الوزراء لرئيس الإئتلاف الوطني السوري المعارض ووفد الحكومة السورية المؤقتة.

أتساءل هنا: هل من الصّعب أن يخطر هذا البديل الذي اقترحه رئيس الوزراء داود أوغلو على عقول الأمريكان؟ لنفرض جدلاً أنّ هناك بعض الأطراف في منطقة الشّرق الأوسط لا يتمنّون أن تسود الدّيمقراطية في هذه المنطقة، إلّا أنّني أتساءل لماذا لا تعمل الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على استبدال النّظام الأسدي بالدّيمقراطية؟. فالواضح أنّ الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لا يريدون للشّعب السوري بأن يتمتّع بالدّيمقراطية في هذا البلد. وذلك كما لم يرغبوا في إحلال الدّيمقراطية في البلدان العربية الأخرى. إنّهم لا ينظرون إلى المسألة السورية، نظرة الإنسانية والوجدان، بل يبحثون عن بديل يقبل بالرّضوخ لهم ويعمل على تحقيق مصالحهم في المنطقة. إنّهم ينتظرون ظهور ديكتاتور جديد يكون عوناً لهم في تنفيذ مؤامراتهم في المنطقة. ولهذا السبب ولأنّهم يبحثون عن شخص مستبد مثل بشار الأسد فإنّهم لم يستطيعوا إيجاد هذا البديل.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس