محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

عقدت في أنقرة جلسات مؤتمر حول العراق بعد 2011 بالتعاون بين مركز دراسات الشرق الأوسط وبين جامعة حاج بيرم التي حضرها وشارك فيها الكثير من رجال الفكر والأكاديميين، ومن بينهم البروفسورالعراقي محمد إحسان الأكاديمي والسياسي والوزير في حكومة إقليم شمال العراق.

أكمل إحسان دراسته في كلية الآداب جامعة الموصل قسم اللغة الإنكليزية عام 88، ثم هاجر من العراق قاصدًا إنكلترا، وفي إنكلترا أكمل دراسة القانون في جامعة لندن ثم أكمل الماجستير في نفس الجامعة اختصاص الدراسات الدولية والدبلوماسية، ثم أكمل الدكتوراه بالقانون الدولي، ثم دخل جامعة أكسفورد وحصل على درجة دكتوراه أخرى في الفكر الإسلامي وموضوع الدراسة كان القتل العمد في الإسلام (الإبادة الجماعية والموقف الإسلامي). وبعد رجوعه للعراق تسلم منصب وزير حقوق الإنسان بخمس حكومات متتالية.

ورغم كل مسؤولياته الوظيفية إلا أنه لم يبتعد عن الحقل الأكاديمي، وهو حاليًا أستاذ في كلية الحرب جامعة لندن، وأيضًا يحاضر في جامعة السلام في كوستاريكا وهي الجامعة الوحيدة التابعة للأمم المتحدة بمادة  القانون الدولي وفي الوقت نفسه بجامعة سيؤول في كوريا. ويحمل لقب باحث بمرتبة الشرف بجامعة إكستر البريطانية.

في أربيل كان رئيس جامعة أربيل الدولية ولغاية شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من هذا العام، حيث أراد الابتعاد عن المسؤولية الإدارية مفضلًا العمل الأكاديمي على المسؤولية الإدارية، وفي نيته الاستقرار بعد هذه الفترة في مدينة نيويورك لفترة محدودة أو ربما فترة غير محدودة.

بهذه المقدمة أبدأ حواري مع الرجل الأكاديمي والسياسي ورجل القانون الدولي والدستوري والوزير والسياسي السابق في حكومة إقليم شمال العراق.

حتما فإن سؤالنا الأول واستفسارنا عن العلاقات التي تربط بين تركيا والإقليم. فحسن الجوار هي المنزلة الراقية التي  تنظم العلاقات السياسية بين الدول المتجاورة. ويستلزم هذا المبدأ أمورًا عدة، أولها عدم التدخل في الشؤون الداخلية لبعضهما البعض، كذلك فإن حسن الجوار يستلزم احترام الاتفاقيات الدولية حولها وعدم خرقها.

كذلك من حسن الجوار عدم توريط المنطقة في أزمة أو حرب بسبب بعض السياسات المتهورة أو المتعجلة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومما يستلزمه هذا المبدأ أيضًا من احترام سيادة الدول عامة والمجاورة خاصة وعدم انتهاكها؟

الجواب:

تركيا دولة جارة ومهمة بالمنطقة، وهناك نوعان من الدول فهناك دولة طبيعية عادية وهناك دول عظمى إقليمية في المنطقة مثل تركيا وإيران وإسرائيل، وهذا واقع حال والمفروض هو القبول بتلك المسلمات التمييزية لهذه الدول.

علاقات العراق والإقليم مع الجارة تركيا مهمة جدًا، فبالنسبة لحكومة الإقليم هي الشريان والباب المرغوب  للاقتصاد. العلاقات التركية الكردية مرت بمراحل وصفت بالضعف الشديد في فترة من الفترات وحميمية جدًا في فترة أخرى والآن تحولت إلى علاقة طبيعية تسودها الثقة المتبادلة مع وجود تمييز واضح لعامل الجغرافيا بين البلدين والتأثير الكبير للبراغماتية الإيجابية في العلاقات بين الإقليم وتركيا متغلبة ومتجاوزة الخلافات التي تطفو أحيانًا لحاجة الطرفين لبعضهما البعض في إقامة أمتن العلاقات.

تركيا تحتاج من الإقليم عنصري الطاقة والأمن والتي باستطاعة الإقليم توفيرها، فبالنسبة للأمن والأمان والذي نفتخر به في الإقليم، فمنذ عام 1991 ولحد الآن كانت المنطقة الواقعة تحت سيطرة الإقليم هوعامل استقرار لتركيا وليس عامل تهديد.

المنظومة الأمنية في المنطقة بصورة عامة متشابكة جدًا ومتداخلة بشكل كبير فكل حادثة في أية بقعة في هذه المنطقة ستوثر بشكل مباشر على باقي الدول وسيكون لها صدى فوري على كل تلك الدول.

إن جعل شمال العراق منطقة عامل استقرار أمني لتركيا ينم عن عقلانية القيادة الكردية وبالأخص عقلانية الرئيس البرزاني في التعامل مع الجارة تركيا لهدفين اثنين الأول رغبة في بناء علاقات تسودها الثقة والشيء الثاني عملًا بمقولة من أراد تغيير التاريخ حاول، ولكن استحالة تغيير الجغرافيا، وتركيا والإقليم أمام خيار واحد طبيعي وهو العيش بسلام وهذا واضح في الرغبة الصادقة بتجاوز كل الخلافات، وبصورة عامة فإن النقاط المشتركة التي تجمعهما هي أكثر بكثير من نقاط  الخلاف والاختلاف. وبطبيعة الحال فإن التفكير الاستراتيجي هو الحاضر دومًا في مخيلة القيادتين في البلدين.

بالنسبة لتهديد الأمن التركي فالأكراد في شمال العراق والقيادة الكردية العراقية أصبحت لهم قناعة بأن تصدير أية مشكلة خارج حدودها ستكون لها عواقب على الإقليم، لذا فإنها تمنع من تصدير أي مشكلة تحدث في العراق إلى دول الجوار كما أنها لا تتدخل إطلاقًا بشؤون الدول لأي بقعة يتواجد فيها الأكراد خارج العراق، والذي يخص موضوع "بي كي كي" بالذات فالكل يعلم أن هناك اختلافات إيدولوجية جذرية عقائدية وفكرية تطبيقية بين حكومة الإقليم وبين تلك الجماعات...

 تجربة الاتحاد الأوروبي، والذي تتشكل من دول لا تجمع بينها لغة ولا عرق ولا طائفة، ولكنها نجحت فى نسج تجربة عمل إقليمي مشترك نهضت على فكرة المصلحة المشتركة بين هذه الدول، لم تتغن شعوبها فى يوم من الأيام بالروابط العضوية التي تجمعها، بل اتجه قادة هذه الشعوب إلى البحث عن المصالح المشتركة وتطويرها تدريجيًا حتى وصلت إلى العملة الموحدة والبنية الأمنية والسياسة الخارجية المشتركة؟

سؤالنا: ما هي اللغة السائدة والمساهمة في ديمومة العلاقات الودية الحميمية، وأفاق تطويرها.

الجواب:

بالتأكيد إن عامل المصالح المشتركة هي لغة الحوار الأساسية، ولغة الحوار تتضمن الاحترام المقرون بالتوافق والعمل معًا لمصلحة البلدين، هي الأساس في التعامل بين حكومة الإقليم وبين القيادة التركية.

في أزمة استفتاء الإقليم وفي ذروة الخلافات بين تركيا والإقليم كان الكثير من المراقبين يتوقعون أن تقوم القيادة التركية بغلق المنفذ الحدودي الوحيد بين الطرفين بقصد فرض الحصار على مواطني الإقليم لكن القيادة التركية لم تتخذ أية إجراءات يفهم منها كعقوبة للشعب الكردي وهذا الموقف المسؤول كان وسيبقى المرجو والمنتظر من القيادة التركية ومن الإخوة الأتراك.

المنطقة بصورة عامة بحاجة إلى نظرة جديدة تختلف عن السابقة ولأن معظم دول العالم تتجه نحو ترك الخلافات جانبًا.

الأكراد في سوريا هم من ربطوا مصيرهم بمصير بي كي كي وبهذا العمل خسروا الاستقرار وخسروا تركيا وكان سببًا مباشرًا لمهاجمتهم من قبل القوات التركية، ومن الجدير بالذكر أن القيادة التركية طلبت من القيادة البارزانية تقديم النصح للأكراد السوريين بعدم ربط مصيرهم بمصير بي كي كي حتى لا تؤدي إلى عواقب، وهذا ما صرحه الرئيس نيجرفان البرزاني قبل عدة أيام.

سؤالنا الأخير للدكتور: ما هي آفاق التعاون بين العراق والإقليم مع تركيا؟

العراق ومن ضمنها الإقليم تحتاج لكل شيء تقريبًا، وتركيا لديها كل شيء، وليست هناك دولة تستطيع منافسة تركيا في مسألة الإعمار في العراق لأنها قريبة من الحدود ولديها تكنلوجيا متطورة وشركات ضخمة لها القدرة في تلبية كل احتياجات العراق، بالنسبة للبضائع فإن 90% من الموجودة منها في الأسواق الكردية هي تركية المنشأ، والشيء الإيجابي والمقبول والذي كان له دور كبير وواضح في قبول الأتراك والشركات التركية في العراق هو القرار السياسي للقيادة التركية بأن تركيا تقف على مسافة واحدة من كل فئات الشعب العراقي، وهذا ما صرح به الرئيس أردوغان أكثر من مرة.

أعتقد بأن إقامة منطقة حرة في المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا كانت تغطي معظم الشركات الأوروبية حتى تلك التي تعمل في الخليج حيث تكون تلك بمثابة مقرات دائمة لها.

الشعوب باقية والحكومات مؤقتة وأحسن طريقة لتقوية الأواصر بين الشعبين هي عمل ترابط بين مؤسسات المجتمع المدني بأكملها، جامعات مع جامعات ومراكز دراسات مع مراكز دراسات، ومنظمات خيرية مع منظمات خيرية، نحن نحتاج جسورًا اجتماعية تفقدها المنطقة وإن وجدت فهي فكرة جديدة وضعيفة، في باريس يجب أن يكون لكل اثنين وخمسين شخصًا منظمة تحبّب وتثبت صلة الإنسان بالمجتمع وتشعره بأنّه شخص له دور إيجابي في المجتمع.

كما نعيد التأكيد على ضرورة تطوير عمل منظمات المجتمع المدني المشتركة بين الدولتين والشعبين حتى تكون جسورًا حقيقية لتواصل مختلف طبقات المجتمعين، هناك الكثير من منظمات المجتمع المدني في مختلف الدول ومنها التي لا تعتبر دولًا متقدمة تمتلك نفوذًا وتأثيرًا ومتابعةً أكثر من الكثير من الأحزاب وحتى تلك التي في السلطة، تركيا والعراق وبضمنها الإقليم تحتاج إلى منظمات مشتركة تشترك في أعمال مشتركة وتتبادل تجاربها على شرط أن تكون على أسس إنسانية أولًا وأخيرًا.

في نهاية اللقاء نقدم جزيل الشكر والامتنان للأستاذ الدكتور محمد إحسان على إتاحته الفرصة لنا باللقاء معه متمنين له التوفيق.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس