كمال اوزتورك – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

كان عام 1988 من أصعب أعوام الحرب العراقية الإيرانية، فقد زلزل الخبر القادم من العراق كل من سمعه، عندما استخدم الغاز السام في منطقة حلبجة بتاريخ 16 آذار/مارس، عن طريق طائرات من صناعة روسية، قذفت تلك الغازات السامة على الأكراد لتطهيرهم عرقيا.

صور رمضان أوزتورك

في ذلك الزمن لم يكن هناك انترنت، ولم يكن هناك بث حي ومباشر، فالمصوّر التركي رمضان أوزتورك هو الوحيد الذي استطاع توثيق ما جرى في حلبجة وكان سببا في إيصال الحدث للعالم أجمع، فقد شاهد مقتل الآلاف من نساء ورجال وأطفال، حيث تسبب الغاز باختناق كل من استنشقه وبالتالي لموته بصورة فظيعة، وقد كانت صورة الجد الذي يحتضن حفيده ليحمي وجهه مجرد صورة واحدة من تلك الصور.

وثقت صور أوزتورك حدثا أليما جدا للأكراد لن ينسوه لسنين طويلة، فقد وضح للعالم مأساة حادثة حلبجة الدموية التي تعد من أكثر الأحداث الدموية التي حصلت في الشرق الأوسط، ولم تفعل أمريكا وانجلترا أي شيء حيال هذه الصور، فحينها كانا يدعمان صدام من أجل القضاء على إيران، فبرغم قتل صدام للآلاف من الناس بالغاز السام إلا أنه استمر بحُكمه.

عندما تتغير الأدوار ويتغير القتلة

في عام 1989 أعلنت كل من العراق وإيران وقف إطلاق النار، لتبدأ بعد ذلك أمريكا في العام 1991 حربا ضد صدام سُمّيت بحرب الخليج، ولم تستطع أمريكا وحلفاؤها من إسقاط صدام حسين الذي حظي بدعمهم على مدار سنين طويلة، وبعد مرور 12 عاما، بدأ الأمريكان وحلفاؤهم حربا جديدة على صدام عام 2003.

بعد ذلك استجوبت أمريكا وحلفاؤها صدام حسين حول المجازر التي حصلت في حلبجة، وسلموه ليد الشيعة ليمهدوا لإعدامه، وهذا ما حصل، فقد تم إعدامه قبل أنْ يوضح طبيعة العلاقات السيئة التي كانت تربطه بأمريكا وانجلترا.

أصبحت أمريكا صديقة لإيران التي حاربتها في السابق عن طريق العراق، لتقوم الأولى بتسليم العراق لإيران، لتسيطر إيران على بغداد، وبعدها على دمشق، وبعدها على صنعاء اليمن، حيث اتحدت إيران مع روسيا في سوريا، ومع أمريكا في العراق، ومع انجلترا في اليمن، لتضرب أفضل الأمثلة الناجحة للسياسة الفارسية.

مجزرة الغوطة، حلبجة جديدة

فقد العديد من العساكر الإيرانيين حياتهم أيضا إلى جانب الأكراد في مجزرة حلبجة، وقد رثت إيران حلبجة سنين طويلة، واستخدمتها كأداة من أجل عمل بروباجاندا ضد صدام حسين.

بعد مرور 25 عام على مجزرة حلبجة، استخدم السلاح الكيميائي لأول مرة من قبل بشار الأسد وذلك بدعم إيراني، وقد استخدم ضد المعارضة في دمشق وتحديدا في الغوطة الشرقية عام 2013، وقد قُتل الآلاف من النساء والرجال والأطفال بسبب الغاز السام، والذين لم يتوفوا بصورة مباشرة نقلوا إلى المستشفى مصابين، لكنهم توفوا لاحقا وأمام شاشات الكاميرا، لتعلق بالذهن صور ذلك الطفل الذي لم يستطع التنفس واختنق ولفظ أنفاسه الأخيرة أمام شاشة الكاميرا، كما علقت في أذهاننا الصورة التي صورها رمضان أوزتورك للجد الذي احتضن حفيده ليفقدا سويا حياتهما بسبب الغازات السامة.

حاول الأسد، وإيران التي تقف خلفه، وروسيا والصين اللتان تقفان خلفهما، حاولوا حرف الموضوع عن مساره، من خلال الإدعاء بأنّ المعارضة هي من استخدمت تلك الصواريخ التي تحمل غازات سامة، فالعالم الذي انشغل في الحديث عمن استخدم تلك الأسلحة، لم يستطع حتى إحصاء عدد الأطفال الذين توفوا بسببها.

الدولة المحتضنة للعرب وللأكراد على حد سواء

سارعت أمريكا فورا إلى إعلان أنها ستشن عملية ضد الأسد بعد استخدامه للأسلحة الكيميائية، لكن أوباما سرعان ما تراجع عن ذلك وانسحب إلى الوراء، وبعد هذه الحملة الفاشلة من أوباما، أصبحت روسيا صاحبة الدور الأكبر والنفوذ في سوريا، وبالتالي أصبحت المتحكمة الوحيدة بالأوضاع هناك.

كانت تركيا الدولة التي أدانت مقتل الأبرياء في حلبجة، كما أدانت مقتل الأبرياء في الغوطة، وطالبت في الحالتين بمحاكمة ومعاقبة المتسببين بهما، وفتحت أبوابها للأكراد الهاربين من ظلم صدام، وللعرب الهاربين من ظلم الأسد.

بينما في المقابل، فرحت إيران بما حصل للأكراد في حلبجة، كما فرحت لما حصل للعرب في الغوطة، فكما كانت مجزرة حلبجة عار على الإنسانية، وما حدث في الغوطة هو عارٌ على جبين الإنسانية، والحدثان عارٌ على العالم الإسلامي أيضا، ففي كلا الحالتين، كان القاتل والمقتول من المسلمين.

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس