ترك برس

ردود الفعل المحلية والإقليمية التي واكبت مذكرة التفاهم التركية الليبية لترسيم الحدود البحرية بين البلدين في المتوسط، سببها المفاجأة الكبيرة التي قلبت حسابات مصر واليونان وإسرائيل والاتحاد الأوروبي واللاتوازنات البحرية هناك رأسًا على عقب.

صحيح أن أنقرة تقول إن الاتفاقية وقعت لتنفذ وهي ستنفذ. وإنها من خلال ذلك تحمي حصتها وحصة ليبيا ونفوذهما المائي في المتوسط، لكن ردود الفعل والاصطفافات ضد هذا التفاهم التركي الليبي يعكس حجم الإنجاز الذي تحقق في خدمة الشعبين.

هكذا أوجز لترك برس أستاذ القانون والعلاقات الدولية البرفسور الدكتور سمير صالحة نتائج وأهداف مذكرة التفاهم التركية الليبية الأخيرة حول ترسمي الحدود المائية المشتركة بين تركيا وليبيا.

وقال الدكتور صالحة إن مذكرة التفاهم هذه لا تحتاج إلى موافقة البرلمان في أي من البلدين لأن خصوصية هذا النوع من العقود والاتفاقيات لا تستدعي ذلك ولا إلزامية فيها بحسب الدساتير والقوانين الوطنية وأسس اتفاقية المعاهدات الدولية التي دخلت حيز التنفيذ عام 1980.

وأكد البرفسور التركي الدكتور صالحة أن  الأصوات المعارضة للاتفاقية التركية الليبية هي في غالبيتها غير متضررة منها لكنها تتحرك في إطار المناكفة السياسية لا أكثر وأن أي اعتراض قانوني على المذكرة يتطلب الاطلاع على بنودها وموادها قبل الذهاب بمنحى الرفض مع العلم أن أي مرجع قانوني دولي لن ينظر في أي ملف من هذا النوع إذا لم تكن أسباب الاعتراض واضحة ومحددة وتتم  بشكل قانوني يتعلق بالصلاحية والسيادة وتتم في إطار حق المقاضاة أو الذهاب إلى التحكيم.

وأشار الدكتور صالحة إلى أن النقاشات الليبية الليبية هي شأن داخلي يعني الليبيين أولًا وأخيرًا، لكن الذي يجري هو انزعاج بعض اللاعبين الإقليميين من الاتفاقية ومحاولة تحريك حلفائهم المحليين ضدها خصوصًا عبر لعب ورقة البرلمان الليبي أو التشكيك والطعن في صلاحية ما قامت به الحكومة الليبية الشرعية والمعترف بها دوليًا.

وأوضح صالحة أن المذكرة تعطي الجانب الليبي مساحة نحو 17 ألف كيلومتر إضافية في المنطقة الاقتصادية الخالصة وهي بالتالي عملية رد على التحرك اليوناني عام 2014 الذي اغتصب قرابة 40 ألف كيلومتر من الحق الليبي المائي دون أن نسمع أية ردة فعل عربية وأوروبية وهو ما يعزز أرقام ومكتسبات وحصة ليبيا المائية في المتوسط.

وأعلن أن ليبيا بعد الآن ومن خلال هذه الاتفاقية ستكون لاعبًا مائيًا مهمًا في الاستفادة من عمليات التنقيب والاستخراج ونقل الغاز إلى أوروبا لناحية الحاجة إليها لتأمين انتقال هذه المواد وهو ما أغضب البعض وفي مقدمتهم قبرص اليونانية وإسرائيل ومصر.

وتساءل صالحة كيف ولماذا يقبل البعض في ليبيا ترسيم الحدود المائية المصرية اليونانية والمصرية القبرصية والمصرية الإسرائيلية ويرفض للشعب الليبي أن يسارع إلى حماية حصته ومساحته المائية وسط هذا السباق والتنافس الإقليمي على رسم الخرائط وفرضها على الأطراف الأخرى؟ لماذا يرضى البعض في ليبيا أن يفرط بحقوق بلدهم المائية كما حدث قبل 5 أعوام لصالح اليونان ويتغاضى عن الاتفاقيات والعقود المائية على حساب بلدهم وعندما تتحرك الحكومة لتوقيع عقد مع دولة إقليمية في الجانب الآخر من المتوسط وبهدف استراتيجي كبير يبرز الاعتراض السياسي حتى ولو كان الثمن التفريط بمكاسب الاتفاقية الاقتصادية والاستراتيجية؟

وألمح البرفسور صالحة إلى أن تركيا صبرت سنوات طويلة في شرق المتوسط وبحر إيجه بانتظار الذهاب إلى التفاهمات والتسويات لكن العكس هو الذي كان يحدث من قبل بعض الدول وبتشجيع أوروبي يسهل عودة بعض الدول الغربية إلى المنطقة مائيًا هذه المرة عبر لعب الورقتين القبرصية واليونانية لكن الخطوة التركية الليبية الأخيرة أوقفت هذا المخطط ورفضت أن يكون على حساب نفوذها ومصالحها وحقوقها المائية. انزعاج مصر وإسرائيل ووقوفهما إلى جانب اليونان سببه قبل أن يكون الدفاع عن مصالح ليبيا هو الدفاع عن مصالحهما واتفاقياتهما مع اليونان وقبرص اليونانية لذلك نرى ردة الفعل العنيفة هذه حتى ولو كان المعني دولة عربية أو دولتين إسلاميتين.

وختم صالحة أن المفاجآت ستتواصل في شرقي المتوسط وإيجه في المرحلة المقبلة لأن أنقرة قررت الرد على أكثر من مادة اكتشفت أنها تستهدف مصالحها وأمنها الإقليمي في إطار اصطفافات تحاول إضعافها وعزلها مائيًا. وأشار إلى أن بين أسباب ردة الفعل التركية محاولة اليونان لعب ورقة الجزر الصغيرة ضدها لترسيم الحدود وتوسيع رقعة تمددها وانتشارها لدخول شرق المتوسط. ومواجهة مشروع "خارطة سيفيليا" اليونانية الأوروبية الهادفة لعزل تركيا وتضييق الخناق عليها في مياهي إيجه والمتوسط وإبعادها عن مناطق الطاقة. وتحرك منتدى شرق المتوسط المائي الذي تقوده مصر وإسرائيل واليونان ضد بقية دول المنطقة ورفض قبول أية دولة أخرى لا تلتزم بالقواعد التي حددها المنتدى الذي تحول إلى اصطفاف واضح ضد تركيا. وشعورها أنها تأخرت كثيرًا في الإعلان عن منطقتها الاقتصادية الخالصة التي منحت البعض فرص التحرك والمناورة على حسابها. ومحاولة الاختراق الأوروبي الواضحى عبر قبول قبرص اليونانية عام 2004 عضوًا في الاتحاد دون التريث لحل الأزمة القبرصية وترك الأمور تزدادًا تشابكًا وتعقيدًا لتتحرك هي كما تشاء في شرق المتوسط.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!