د. علي حسين باكير - العرب القطرية

صادق البرلمان التركي، الأربعاء الماضي، على مذكرة التفاهم التي جرى توقيعها مع حكومة الوفاق الوطني الليبية -المعترف بها دولياً- برئاسة فايز السرّاج. الاتفاقية ترسّم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا في البحر المتوسط، وهي جاءت بالتزامن مع اتفاقية أخرى ذات طابع عسكري وأمني. أثارت الاتفاقية البحرية غضب اليونان ومصر وقبرص اليونانية، وقد وصل الأمر بأثينا إلى أن تقوم بطرد السفير الليبي لديها، احتجاجاً على توقيع حكومته الاتفاق مع تركيا.

واعتبرت القاهرة وأثينا أن الاتفاق البحري التركي - الليبي عديم القيمة من الناحية القانونية، ولن يؤثّر على الإجراءات المصرية - اليونانيّة شرق المتوسط. مصر بالتحديد تذرعت بأن فايز السراج لا يحق له توقيع مثل هذه الاتفاقيات مع تركيا؛ لأن ذلك يقع خارج إطار الصلاحيات المقررة في اتفاق الصخيرات الذي رعته الأمم المتحدة في ١٧ ديسمبر ٢٠١٥، وشمل أطراف الصراع في ليبيا. وقد أشارت مصر إلى أن «توقيع مذكرتي تفاهم في مجالي التعاون الأمني والمناطق البحرية، وفقاً لما تم إعلانه، غير شرعي، ومن ثمّ لا يلزم ولا يؤثر على مصالح وحقوق أية أطراف ثالثة، ولا يترتب عليه أي تأثير على حقوق الدول المشاطئة للبحر المتوسط».
المفارقة أن هذا التعليل الذي يستند إلى اتّفاق الصخيرات يتعارض مع موقف مصر ممّا يجري في ليبيا، قبل أن يتعارض مع أي شيء آخر. فمصر تعترف بالجنرال خليفة حفتر، وتستقبله بشكل رسمي، وتدعمه سياسياً وعسكرياً ضد حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، وبهذا فإن القاهرة تناقض نفسها عندما تُحيل عدم مشروعية الاتفاق التركي - الليبي إلى اتفاق لا يجيز لها أصلاً أنّ تلعب مثل هذا الدور في ليبيا. الأمر الآخر المثير للاهتمام هو أن مصر ليست سلطة قضائية دولية حتى تصدر إشعارات قانونية بمدى قانونية أو عدم قانونية اتفاق جرى بين دولتين مستقلّتين، خاصة أن مصر ليست طرفاً فيه، ولا يقتطع من حقوقها، بل على العكس من ذلك، يؤكد الاتفاق حقّ القاهرة في مزيد من المساحات قبالة سواحلها.

لكن إذا كان الأمر كذلك، فما مبررات الامتعاض المصري؟ باعتقادي يمكن فهم موقف القاهرة بشكل أكبر من خلال التركيز على عدة نقاط، لعل أهمها أن الاتفاق العسكري - الأمني أخطر على النظام المصري من الاتفاق البحري الذي تمّ، وذلك لأنّه يعزّز من الغطاء القانوني المقدّم من قبل تركيا إلى حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، ويقضي على آمال حفتر بتحقيق الانتصار السريع، ويجبره على الخضوع لعملية تفاوض سياسي، بالرغم من الدعم العسكري الذي يتلقاه.

الاتفاق البحري يسمح لمصر باستعادة حقوق كانت قد تنازلت عنها طوعاً لصالح الجانب اليوناني، من أجل أن يكسب النظام المصري شرعية دولية وتأييد دولي مقابل ذلك. وبهذا المعنى فإن الاتفاق البحري التركي - الليبي يحرج النظام المصري، ويعيد تسليط الضوء على تخلّيه عن حقوق مصرية في أكثر من مكان سابقاً.

ومع أن وزير الخارجية المصري كان قد أقر لاحقاً خلال ندوة في روما أن الاتفاق البحري التركي - الليبي لا يمس المصالح المصرية، إلا أنه في حقيقة الأمر يقطع الطريق على إمكانية نقل الغاز من أماكن متنازع عليها شرق البحر المتوسط إلى أوروبا من دون التفاوض مع الجانب التركي، وهذا في حد ذاته خسارة كبيرة للمعسكر الذي يضم مصر واليونان وقبرص اليونانية وإسرائيل، والذي لم يدّخر جهداً خلال السنوات القليلة الماضية لعزل تركيا، ثم تفاجأ بأن الاتفاق مع ليبيا رسم صورة مغايرة تماماً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس