د. علي حسين باكير - العرب القطرية

خلال مشاركته في فعاليات منتدى الدوحة 2019، تطرّق وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو إلى موضوع شراء بلاده منظومة (أس-400) الروسية والإشكالية التي يثيرها في العلاقات التركيّة - الأميركية، مشيراً إلى أن الاتفاق على شراء المنظومة قد تم، وأنه لا تراجع عند هذه النقطة بتاتاً، مهما كانت العواقب. الوزير التركي أكّد كذلك أن فرض عقوبات أميركية على بلاده بشأن قرار سيادي يخصّها من شأنه أن يدفعها للرد على إجراء من هذا النوع، لافتاً إلى أن التهديد والعقوبات لا تنفع.

اللافت للنظر أنه بالرغم من ذلك، أشار تشاوش أوغلو إلى أن علاقات بلاده تشهد تحسّناً نسبياً مع الولايات المتّحدة من خلال ترمب، لكنّ الكونجرس يحاول عرقلة ذلك. وبالفعل، يضغط الكونجرس باتجاه فرض عقوبات متعددة الأوجه على تركيا، والحيلولة دون حل مشكلة تسليم مقاتلات (أف-35)، أو استئناف أنقرة لدورها في المشاركة في إنتاج هذه المقاتلة. وبموازاة ذلك، تقوم واشنطن مؤخراً بالعمل على رفع حظر التسلّح المفروض على جمهورية قبرص (القبرص اليونانية)، حيث أقر الكونجرس مشروعاً بهذا الشأن، يُعتقد أنّه موجّه بالدرجة الأولى ضد تركيا.

ويجادل البعض بأن تدخّل روسيا في ليبيا من خلال ميليشيات تابعة لها لدعم حفتر من شأنه هو الآخر أن يؤدي إلى تقارب أميركي - تركي، ويطلق يد أنقرة في طرابلس وشرق البحر المتوسط، على اعتبار أن واشنطن لا تريد للنفوذ الروسي أن يتمدد هناك. لكن هذه الافتراضية لا تصح بكلّيتها إذا ما أخذنا التطورات الأخيرة في الموقف الأميركي من قبرص اليونانية واليونان. ما تقترحه تركيا في الأزمة مع واشنطن حول نظام (أس -400) هو شراء منظومة باتريوت أميركية رديفة، وليس التخلي عن منظومة (أس -400).

الولايات المتحدة هي من رفضت طلب تركيا الحصول على منظومة دفاعية، علاوة عن رفض نقل التكنولوجيا، لكنّها كانتتعتقد -على ما يبدو- أنّ أنقرة تناور، ولن تذهب إلى خيار روسي. لكنّ وزير الخارجية التركي أكد من خلال كلمته في منتدى الدوحة 2019 أن بلاده بحاجة ماسّة إلى نظام دفاعي، وأنه لا يمكن التراجع عن صفقة تمت. هذا يعني أن السجال الأميركي - التركي من المنتظر له أن يستمر على الأقل حتى أبريل 2020 القادم، وهو التاريخ الذي من المفترض لتركيا مبدئياً أن تعمد فيه إلى تشغيل منظومة (أس-400).

وفي حين من المتوقع أن تشهد المفاوضات بين الطرفين خلال هذه الفسحة من الزمن شدّا وجذباً، سيترك فرض عقوبات أميركية على تركيا لاحقاً سلسلة من التفاعلات السلبية، لعل أبرزها في ملفي مقاتلات (أف-٣٥) وقاعدة إنجرلك. وعدم حصول تركيا على المقاتلات سيدفعها باتجاه الخيار الروسي مرّة أخرة، وبهذا المعنى، فإن الإجراء الأميركي سيأتي بنتائج عكسية بالفعل. أمّا إقفال قاعدة إنجرلك في وجه الجانب الأميركي، فهذا يعني -إن حصل بالفعل- نهاية حقبة من العلاقات الأميركية - التركية، وبداية تحوّل ربما في خيارات تركيا الجيو - سياسية من الناحية الاستراتيجية باتجاه التطلّع شرقاً بشكل أقوى.

هل سيحول ترمب دون حصول ذلك؟ هذا سيعتمد بالأرجح على الجواب المتعلق بأمرين، الأول هو على ماذا سيحصل في المقابل؟ والثاني هو إلى أي مدى سيكون بإمكانه تحييد ضغط الكونجرس.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس