سليمان سيفي أوغون – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

قاموا أولا بتسليم المنطقة لأحزاب ودول تضم في جنباتها تناقضات عديدة، وقد ساعدت تلك الأنظمة التي وضعوها على رأس دولنا، القطبين المتواجدين في العالم، من حيث دعمهم بالبترول وبكل خيرات بلادنا، ووضعوا في شمال المنطقة، خطا أخضرا يتمثل بإيران وإيران وباكستان.

انتهى الخط الأخضر بحدوث الثورة الإيرانية، وقاموا بعمل انقلابات على "أبناء تركيا"، وحولوا لبنان إلى ساحة حرب داخلية طاحنة، وبعد انتهاء أسطورة جمال عبد الناصر، أدخلوا نظام البعث في العراق في حرب ضروس مع إيران استمرت لفترة طويلة، وضربوا ليبيا وأحكموا سيطرتهم على القذافي، وأثناء ذلك انهار الاتحاد السوفييتي، وأصبح هناك فراغ شاغر في المنطقة، ليقوموا "بنفخ" صدام حسين ولي عهد جمال عبد الناصر، وأقحموه ليحتل الكويت، لكنهم أسقطوه بعد ذلك، وكما يقولون كان الهدف هو حماية العراق، لكن الدماء ما تزال تنزف، ومنذ نصف قرن، وما زالوا يحاولون إنقاذها!

ما يثير الاستغراب، هو تلك الرابطة والعلاقة التي تقف خلف زيادة نفوذ إيران في المنطقة، فإيران تملك في الأساس نفوذا في سوريا، وفي لبنان عن طريق حزب الله، فالسؤال الذي نطرحه هنا، ماذا تريد إيران من عراق ما بعد صدام حسين، من العراق المنهار المدمر؟ وتحديدا ماذا يريدون من محاولة فرض سيطرتهم على البصرة؟ فأنا لا أرى ذلك مجرد حدثا تصادفيا.

ما يجري الآن هو محاولة الوصول إلى هدف واضح وصريح، وهو سحب المنطقة إلى حرب مذهبية طائفية لا نهاية لها، ولتحقيق ذلك هناك شرط أساسي لا يمكن تجاوزه، وهو زيادة نفوذ إيران في المنطقة، ولهذا تغض إيران الطرف عما يقوم به نظام المالكي الشيعي في العراق من اضطهاد وظلم لأهل السنة في وسط العراق، لدرجة أنهم وصلوا إلى التعاون مع "الشيطان الأكبر" أمريكا وتحت نظر إسرائيل يقومون بذلك التدخل، فالعلاقة بين إيران وأمريكا أصبحت أكثر مرونة، وغضب إسرائيل لم يمنع إيران من الاستمرار ببرنامجها النووي.

 السياسة الدولية غريبة جدا، فأكبر تعاون يحدث اليوم بين ألذّ عدويّن، ولا أدري فيما إذا كانت إيران تدرك فعلا ما تقوم به على صعيد سياستها الخارجية أم لا، لكن في المحصلة كل ما تقوم به إيران الآن يصب في مصلحة إنهاء كل مظاهر سياستها القائمة على رفض إسرائيل.

يوجد اليوم أعداء جدد لإيران في المنطقة، فاليوم إيران تحارب داعش التي لم تذكر إسرائيل ولم تمسها بيوم من الأيام، وربما إسرائيل توحي لنا بأنها غير مكترثة لذلك، لكنني على قناعة تامة أنّ الدولة العميقة في إسرائيل ترى وتدرك ما تقوم به إيران.

ما يجري اليوم بكل وضوح، هو زيادة حدة الاستقطاب بين الشيعة والسنة، وعلينا تقييم ذلك من منطلق ما حصل في الربيع العربي، فقد حولوا ليبيا إلى فوضى عارمة بعد القذافي، ورجع النظام السابق إلى سدة الحُكم في تونس، أما في مصر فقد انقلبوا على الإخوان المسلمين وأزالوهم، وقد علق قطار الربيع العربي في سوريا.

واعتقد أنّ بحث أمريكا عن "تقارب" مع النظام في سوريا مؤخرا، ما هو إلا تسليم لها بخيار تحكيم معسكر الشيعة وتسليمهم زمام الحُكم في المنطقة، لكن هذا الأمر يثير قلق السعودية، وموقف السعودية سيكون صعبا، فهي من جهة لم ترد للإخوان المسلمين التشبث بالحُكم من خلال وصولهم عبر صناديق الاقتراع، لذلك دعموا الانقلاب في مصر، ومن جهة أخرى أصبحوا يدركون حجم خطر نفوذ الشيعة في المنطقة، لهذا أصبحوا بين نارين، الإخوان المسلمين والشيعة، وأخيرا تعرضت السعودية لضربة قوية جدا بعدما وصل النفوذ الشيعي إلى اليمن وأحكم سيطرته هناك.

بعد إزالة الديمقراطية التي جلبت الإخوان المسلمين إلى سدة الحُكم، تم الانتقال إلى المرحلة التالية، من خلال زرع داعش في المنطقة التي جعلت من نفسها قوة تدافع عن السنة، وشغلت حيزا كبيرا من مساحة العراق، ولم تكتف بذلك، وإنما عبرت ودخلت إلى سوريا، وكانت كسيف ذو حدين، فلا يقف في وجهها سني ولا شيعي، فهذا السيف يقطع كل شيء أمامه،فيضربون السنة والشيعة على حد سواء، لكن مع ذلك تبقى داعش تعتبر بالنسبة للعالم تمثل الطرف السني، ومع كون معظم المتشددين في داعش قادمين من الدول الأوروبية، ازدادت فرصة زيادة حدة العداوة ضد الإسلام في الأوساط الغربية.

في المحصلة ما يجري هو محاولة زيادة حدة الاستقطاب في المنطقة، فما يجري حولنا من حروب ومعارك وفوضى ودماء تسيل، هو سيناريو يحاولون الآن إيصاله لتركيا، لكن لكي تنجو تركيا من هذا السيناريو السيئ والقذر، عليها أنْ تتعاون مع الأكراد في وحدة مع الأتراك، فلا يوجد خيار آخر أمام الأكراد سوى التعاون والاتحاد مع تركيا، وهكذا يجب علينا أنْ نقيّم تقارب أنقرة وإربيل، وإذا لم يحصل ذلك، سيجد الأكراد أنفسهم محاطين بخطرين من الطرفين، من داعش ومن الشيعة، وإذا حصل ذلك –لا سمح الله-، ستتحول تركيا إلى مصر جديدة، فعلينا الحذر.

عن الكاتب

سليمان سيفي أوغون

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس