د. علي حسين باكير - العرب القطرية

وقّعت اليونان وقبرص وإسرائيل بداية الشهر الحالي، على اتفاق لمدّ خط أنابيب تحت البحر بطول 1900 كيلو متر، لنقل الغاز الطبيعي من شرق البحر المتوسط إلى أوروبا، حضر التوقيع الذي تمّ في العاصمة اليونانية أثينا كل من: رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، ونظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس، وذلك في إشارة واضحة إلى أهمية المشروع من الناحية الجيو-سياسية والجيو-اقتصادية.

يطلق على المشروع اسم «إيست-ميد»، وتبلغ تكلفته حوالي 6 إلى 10 مليارات دولار، من المفترض أن تبلغ طاقة الأنبوب المبدئية حوالي عشرة مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، يمتد الخط المفترض من إسرائيل عبر مياه المتوسط قبالة قبرص مروراً بجزيرة كريت اليونانية إلى البر اليوناني الرئيسي، وصولاً لشبكة أنابيب الغاز الأوروبية عبر إيطاليا، وهو ما يجعله وفق بعض التقارير الأنبوب الأطول من نوعه في العالم.

تزامن التوقيع على هذا المشروع مع أمرين في غاية الأهمية، أولهما إقرار البرلمان التركي مشروع قانون يسمح لأنقرة بإرسال دعم عسكري لحكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دولياً، أما ثانيهما، فهو افتتاح خط السيل التركي «ترك ستريم» الذي ينقل الغاز من روسيا إلى تركيا وجنوب شرقي أوروبا، عبر فرعين متوازيين يمتدان 930 كم عبر البحر الأسود، وينقل أحدهما الغاز إلى تركيا، فيما يصل الآخر إلى الحدود التركية-الأوروبية، لينقل الغاز إلى بلغاريا ثم إلى صربيا والمجر.

هذه المعطيات ترتبط ارتباطاً وثيقاً بخط «إيست-ميد»، فالأول يشرّع إمكانية إرسال قوات عسكرية إلى مناطق ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا للدفاع عنها، هذا يعني عملياً استحالة أن يمر الأنبوب في المياه التي أصبحت تعتبر تركية دون موافقة أنقرة، أما الثاني، فهو يقرّب من مصالح أنقرة وموسكو شرق البحر المتوسط، فالأولى قد ترى أنه من المناسب عدم السماح بضخّ غاز من الممكن أن يساعد أوروبا على تنويع وارداتها على حساب موسكو، والثانية ترى أنه يهمّشها أو يحاول تجاوزها، ترفع هذه الوضعية من احتمالية أن تدعم روسيا موقف تركيا في المعادلة ضد المحور الثلاثي.

وفي ظل هذا الواقع، يصبح تمويل المشروع أمراً مشكوكاً فيه، إذ لا مموّل سيخاطر برأس مال بهذا الحجم في ظل خلاف سياسي، وتوتر أمني، وهو ما يجعل إمكانية تحويل الفكرة إلى حقيقة أمراً غير ممكن عملياً، بالرغم من وصف اليونان -صاحبة الفكرة الأساسية للمشروع- الأنبوب بأنه مشروع تاريخي، عامل آخر يؤكّد على إشكالية الأنبوب والتحديات التي يواجهها، هو غياب إيطاليا عن حفل التوقيع، بالرغم من أنها كانت مدعوّة، ومن المفترض أن يمرّ بها لاحقاً، وتميل روما أيضاً إلى أن المشروع غير مجدٍ من الناحية الاقتصادية، وأنه لا ضمانة فيما يتعلق بجمع الأموال اللازمة لإنشائه.

وبذلك يتحول المشروع إلى مجرد ورقة للتفاوض مع تركيا، المفارقة أن إسرائيل ستبقى قادرة على تصدير الغاز إلى أوروبا في حال تفاهمها مع تركيا من خلال أنبوب أقصر وأقل تكلفة عبر مياه قبرص التركية، ومنها إلى تركيا وبعدها عبر خطوط أنابيب تركيا على اليابسة إلى أوروبا، أما قبرص اليونانية واليونان، فستحرمان تماماً من أي خيار إذا أرادتا تحدي أنقرة، وقد يتسببان في إمكانية اندلاع نزاع مسلح يقضي على أحلام الغاز في المنطقة.
 

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس