د. علي حسين باكير - العرب القطرية

اتّهمت جهات أمنية غربية، الأسبوع الماضي، تركيا بالوقوف وراء هجمات إلكترونية استهدفت مؤسسات رسمية وأخرى خاصة في أوروبا والشرق الأوسط. ووفقاً لتقرير حصري لـ «رويترز» عن الموضوع، فقد هاجم قراصنة من تركيا ما لا يقل عن ٣٠ مؤسسة، من بينها وزارات، وسفارات، ومؤسسات ذات طابع أمني. وأشار التقرير إلى أن من بين الجهات المستهدفة خدمات البريد الإلكتروني للحكومة القبرصية واليونانيّة، ومستشار الأمن القومي العراقي.

وبالرغم من أنه لم يتم عرض أي دلائل قاطعة بشأن مسؤولية الحكومة التركية عن مثل هذ الهجوم، فإن مسؤولين بريطانيين رفيعي المستوى، بالإضافة إلى آخر أميركي، أشاروا إلى أن هذه الهجمات تحمل علامات تشير إلى أنها عملية تجسس إلكتروني مدعومة من قبل لاعب حكومي، وتهدف إلى تعزيز المصالح التركية.

وقد أورد هؤلاء ثلاثة عناصر تدعم الاستنتاج الذي ذهبوا إليه، وهي: هويات ومواقع الضحايا، وتتضمن حكومات لدول مهمّة من الناحية الجيو- سياسية لتركيا، والتشابه الذي تحمله مع هجمات أخرى استخدمت البنية التحتية التركية، والمعلومات الواردة في التقييمات السريّة الواردة في تقارير استخباراتية عن الموضوع.

خلال العقد الماضي، تطوّرت الهجمات في الفضاء السيبراني بشكل مهول، وقد دشّنت واشنطن وتل أبيب نوعاً جديداً من الهجمات عندما تمّ استهداف برنامج إيران النووي بفايروس «ستكسنت» في عام 2010. وقد شهدنا مؤخراً جولة من هذه الهجمات السيبرانية التي شنّتها الولايات المتحدة ضد إيران، في أعقاب استهداف الأخيرة منشآت أرامكو السعودية، وهو مؤشر على أنّنا سنشهد مثل هذه الهجمات بشكل متزايد في المستقبل.

في 17 كانون الثاني/ يناير الماضي، اندلعت معركة صغيرة في الفضاء السيبراني بين الجانبين التركي واليوناني، إذ تبادل قراصنة أتراك ويونانيون هجمات إلكترونية استهدفت مؤسسات مختلفة في البلدين. بدأت مجموعة تسمي نفسها «أنكا» بهجمات طالت وزارة الخارجية والمالية اليونانية والاستخبارات والبرلمان، ومؤسسات أخرى، بدعوى معارضة اليونان للاتفاق التركي - الليبي لرسم الحدود البحرية في المتوسط. وردّت مجموعة «أنونيماس» اليونانيّة بشن هجمات ضد مواقع تركية. لم تشر أي تقارير من الجانبين إلى وقوع خسائر جرّاء هذه الهجمات أو حجمها حال وقوعها، لكنّ الانخراط فيها يؤكّد زيادة منسوب التوتّر بين تركيا واليونان، على خلفيّة اتساع رقعة الخلافات بين الطرفين في بحر إيجة والبحر المتوسط.

وبالعودة إلى الادّعاءات التي وردت في تقرير «رويترز»، لا يُعرف عن السلطات التركية أنّها تمتلك جيشاً إلكترونيا، أو أنّها دولة فاعلة في مجال الهجمات الإلكترونية كروسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية والولايات المتّحدة الأميركية. علاوة على ذلك، فإن المؤشرات التي تمّ تقديمها أعلاه لاتهام الحكومة التركية تقف عند حدود التكهّنات، إذ إن هناك احتمال دائم في الفضاء السيبراني بأن يتم استخدام البنية التحتية لدولة ما في شن هجوم على جهة ثالثة دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذه الدولة متورطة عمداً، فضلاً عمّا تم ذكره، فقد تعرّضت تركيا -خلال السنوات الماضية- إلى الكثير من الهجمات الكبرى التي أصابت بنيتها التحتية الحسّاسة المتعلقة بالطاقة والمصارف والسوق المالي، وغيرها من المؤسسات، وهي بهذا المعنى ضحية.

هل من الممكن أن تكون تلك الهجمات قد حفّزت السلطات التركية على تطوير استراتيجية هجومية؟ ربما، لكن لا يوجد دليل على ذلك حتى الآن.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس