عبد الله محمد فارح - خاص ترك برس

تخصيص الشباب من الفئات العمرية الباقية نابع من المهام الكبيرة المنوطة بهذه الفئة العمرية الغزيرة في غالب المجتمعات قياسا إلى سواها وخصوصا في المجتمعات الشرقية والدول النامية، والسعي في تمكين الشباب يوحي بأن وضعهم مزعزع وأن أوتادهم الصلبة باتت غراسا هشة في مهب الريح على قاعدة وبضدها تتميز الأشياء. وبالمجمل فلا يحسن البحث عن أسباب التعافي قبل تشخيص أسباب الترهل والركود الذي أصاب هذه الفئة البركانية الثائرة في كثير من البلدان حتى خمدت، ومن منظور شخصي وآخر بحثي فإن آفات عدة تسربت إلى عزيمة الشباب الصلبة وعملت على نقضها شيئا فشيئا، قد يكون أهم هذه الآفات هي العولمة؛ وحتما لا يسعنا السكوت دون التفصيل تحت هذا العنوان العريض الذي يشتمل على منافع ومضار شتى، من دواعي ذوبان الشخصية وتماهي الذات الشبابية هو الدخول في عوالم الشبكة العنكبوتية الهائلة حيث تنبهر عين الشاب المتصفح بما يرى من أحداث الفضاء الافتراضي وأشخاصه وبريق نجومه المشاهير وهنا يبدأ الشاب طور اهتزاز الشخصية وفقدان ثقته واعتداده بذاته وبمواهبه وقدراته التي كان يؤمن بها أما الآن فلا يرى لها حجما ولا بريقا ولا ألقاً في خضمّ المجرات البشرية التي تتابع مشاهير معدودين ييأس الشاب الناشئ أن يحذو حذوهم ما لم تؤيده موهبة راجحة ناصعة.

من آفات العولمة أيضا على الشباب فقدان الوقت افتراضيا وعدم استثماره حقيقيا وهذا مشهود في آلاف الألعاب الالكترونية التي تتعاقب أجيالها وتحديثاتها وتخوض الشركات سباقا عنيدا فيها لاستقطاب أكبر كم ممكن من هذه الفئة المستهدفة.

وانطلاقا من هذه الأعراض تكون الحلول المواتية الواقعية لتمكين الشباب، حيث لا تنفع الحلول المخملية البعيدة عن وجع الشباب وحاجتهم الملحة، ولأن أصعب الهزائم هي هزيمة الإنسان أمام نفسه فأول جانب يقتضي منا مخاطبته في فئة الشباب هو الجانب النفسي السيكولوجي، الذي يقوم على طرد عوامل الانهزام الداخلي وتبصرة الشاب بنفسه وبقدراته الوافرة التي بين بيديه وبما يمكنه فعله ثم صرف نظره عن ماضيه القريب المتهالك إلى الحاضر الذي بين يديه وكيف يمكن أن يعيشه بعمق لا بسطحية ولا يفوت على نفسه فرصته الذهبية تحت تفشي الاكتئاب واستحكام الإحباط.

يليه من حيث الأهمية التمكين الاقتصادي فكثير من الدول ترزح فئاتها الشابة تحت العجز المادي الذي تكرس حتى عاشت تحت خط الفقر وهي بأمس الحاجة إلى معالجة هذا الانسداد وفك العسرة الاقتصادية، وهو بتفعيل العقل التجاري لدى الشباب وشن المشاريع التي تخرج عن طور المألوف والكاسد والراهن في مناطقهم والخروج من حلقة البطالة والتعافي من عدوى المهنة الواحدة التي تصاب بها كثير من الكانتونات البشرية وخصوصا الصغيرة، ولهذا نجد قرى كاملة أو مدنا صغيرة وبلدات يعتمد شبابها صنعة واحدة ولا يزيدون عليها، مثل مهنة الهجرة للعمل في الخارج أو مهنة العمل الأكاديمي التوظيفي في الداخل أو أي مهنة يتناقلها أبناء المجتمع الواحد من بعضهم ثم لا يحاولون طرق وسائل أخرى تفيد التنوع والخصوبة والإنتاجية.

يلي ذلك من حيث الضرورة التمكين السياسي للشباب وهذا يكون في مراحل متقدمة في بناء شخصية الشباب بعد تجاوز الأزمات النفسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث تكون الشخصية متماسكة رصينة بما يكفي لدخول حقل السياسية الشائك الذي تسوده النسبيات ويخلو من المطلقات، ويتطلب نضوجا كبيرا ووعيا يانعا ولذلك نجد أكثر الساسة ممن شابت رؤوسهم من التجارب، وقلة قليلة من فئة الشباب ارتقت سدة المسؤوليات الكبيرة الوزارية أو الرئاسية، وهذا هو الروتين المطلوب كسره لإثراء الطواقم السياسية بالكوادر الشابة والدماء الجديدة، ومناط ذلك الإصرار والاجتهاد على بلوغ الأهداف الكبيرة بالأزمنة القصيرة.

في استقصائنا لمواضع التمكين التي ينبغي مخاطبتها عند الشباب نجد أن الفئات المستهدفة تتناثر في بقاع شتى من العالم، فالدعم السيكولوجي في الغرب والدعم الاقتصادي في الشرق وفي أفريقيا والاجتماعي في المجتمعات العربية على سبيل المثال، وقسم كبير من هذا النشاط يقع على كاهل الأمم المتحدة التي تستطيع كهيئة أممية لها مفوضياتها في كل مكان أن تتعامل مع هذه الحالات جميعا، أما القسم الأكبر منه فيقع على الحكومات المعنية في كل بلد.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس