د. مصطفى الستيتي - خاص ترك برس

مكث الدّكتور محمّد زكي آيدن في تونس نحو 10 أشهر، واطلع على جوانب الحياة فيها، وخبر أهلها وعرفهم عن قرب. وقد نشر مقالاً مطولاً في مجلة كلية الإلهيات التّابعة لجامعة "الجُمهورية"، العدد الأول سنة 1996 تحدّث فيه عن الحياة الاجتماعيّة والثّقافية والدّينية والتعليميّة في تونس في عهد الرّئيس الأسبق بن علي. ونودّ أن ننقل هذا المقال إلى اللّغة العربيّة للاطلاع على رأي هذا المثقّف في ما رآه وعاشه في تونس، وننقل ملاحظاتٍ مهمّة له عن المجتمع التّونسي وعن عاداته وتقاليده، ومن الطّريف الاطلاع كذلك على المقارنة التي يعقدها باستمرار بين المجتمعين التّونسي والتّركي ونقاط التلاقي والاختلاف في مجالات متعدّدة:

التربية والتّعليم

تُولي الحكومة التّونسيّة أهميّة كبيرة للتربية والثّقافة، وقد خصّصت نحو ثلث الميزانية لهذا المجال.  ويمتد التّعليم الأساسي لمدة تسع سنوات ما بين سنّ السّادسة والسّادسة عشرة. ثم يأتي التّعليم الثانوي بعد ذلك ويمتد لمدة أربع سنوات.  وفي نهاية الثّانوية يُجرى امتحان عام على النّمط الفرنسي ويسمّى "الباكالوريا". ويتبوّأ الطّالب مقعده في الجامعة وفق المعدّل الذي يتحصّل عليه في الامتحان. ويمكن دخول هذا الامتحان مرّتين فقط. وتتراوح الدّراسة في الجامعات التّونسية بين سنتين وست سنوات.

وفي عام 1994 كان عدد الطلاب 102.791 طالبًا يسهر على تدريسهم نحو 5979 أستاذا جامعيًّا. وفي عام 1983 كانت نسبة طلاب الجامعة 7.5 بالمائة، وارتفعت هذه النسبة لتصل إلى 11.2 بالمائة عام 1994، ويُنتظر أن تصل هذه النّسبة إلى 15 بالمائة عام 2001.  وفي تُونس العاصمة تُوجد أربع جامعات، وتوجد جامعة في كلّ من سوسة وصفاقس.

تعليم اللّغات

اللّغة الرّسمية في تونس هي العربية والفرنسية، وتُستخدم كلا اللّغتين في الخطابات الرسميّة. ويتحدّث التّونسيّون العربيّة باعتبارها لغتهم الأمّ، وهم يتكلّمون اللّهجة العامية، أي "الدّارجة". وهذه اللّهجة استوعبت كلماتٍ كثيرةً من البربريّة والفرنسية والتّركية والاسبانية والإيطالية. وعامة النّاس يستعملون هذه اللهجة في بيوتهم وفي حياتهم اليوميّة. ويبدأ الطّفل دراسته وقد تعلّم اللّهجة العامّية، ثم يشرع في المدرسة في تعلم "الفُصحى" من كتب اللّغة العربية. ويأخذ الطّلاب في تعلّم اللّغة الفرنسيّة بالمدارس الابتدائية اعتبارًا من الصفّ الثّالث لمدة عشر ساعات في الأسبوع.

وفي مستوى التّعليم الأساسي والثّانوي يتعلّم الطالب الانكليزية أو لغة من اللّغات الأخرى مثل الألمانية والإيطالية والإسبانيّة.

والفرنسيّة هي اللّغة الثانية في تونس،  وعندما يعرفون أنّنا من تركيا يكون أوّل سؤال يتوجّهون به إلينا هو عن اللّغة الثانية عندنا. والحقيقة أنّنا نجد حرجًا في الردّ بأنّه لا توجد لدينا لغة ثانية. والسّؤال نفسه كثيرًا ما يتردّد على مسامعنا من الطّلاب الأفارقة، ونحن نجد صعوبة في التّفريق بين اللّغة الثانية واللّغة الأجنبيّة، فهم يعتبرون أنه من الضروري أن يكون لكلّ شخص لغة ثانية.

والتّونسيون عادة ما يتحدثون العربية فيما بينهم، بيد أنّهم عندما يقابلون أجنبيًّا تراهم يتحدثون معه بلغته بكلّ يُسر. وإلى جانب تكلّمهم الفرنسية بطلاقةٍ فنحن نلاحظ أنهم بارعون في موضوع تعليم اللّغات الأجنبيّة الأخرى.

وللتّونسيّين تعلّق شديد بتعلّم اللّغات الأجنبية. وبالإضافة إلى اللّغات التي مرّ ذكرها من قبل يُوجد اهتمام غير قليل بتعلّم اللّغة الرّوسيّة في المركز الثّقافي الرّوسي.  ويؤسنا أنه لا يوجد مركز ثقافيّ تركيّ في تونس. ويوجد بالجامعة أستاذ يدرس اللّغة التّركية بيد أنه لا يستطيع سد النّقص الحاصل.

وينهض معهد بورقيبة للّغات الحية، ومركزه في العاصمة تونس، بدورٍ فعال وناجح في تعليم اللّغات الأجنبية بما في ذلك اللّغة العربيّة. وفي وقت سابق عُقدت اتفاقيّة بين الحكومتين التّونسية والتركيّة بموجبها يتم تدريس اللّغة التركية في هذا المعهد وفي الجامعات الأخرى، غير أنه ولأسباب لا نعرفها لم يقع إرسال مدرّسين أتراك من تركيا.

ويعتمد معهد بورقيبة للّغات على مناهج حديثة في تعليم اللّغة العربيّة، ولذلك فهو يحقق نجاحاتٍ ملموسةً. ولهذا السّبب يتوافد على تونس عددٌ كبير من الطّلاب لتعلّم العربيّة. ويكون الإقبال على هذه الدّروس على نحو خاصّ في شهر يوليو، في دروس مكثفة لمدة خمسةِ أسابيع. وبالرّغم من حرارة الجوّ في فصل الصّيف فإن الإقبال على معهد بورقيبة يكون كبيرًا، ويأتي النّاس للتّعلم وكذلك للسّياحة والاستجمام.

ويمكن للتّونسيين التقاط قناة TV 2 الفرنسيّة وقناة أخرى إيطاليّة ومشاهدتها بواسطة الهوائيّ العاديّ.  ويُشاهد التّونسيون كذلك قناتين محلّيتين واحدة حكومية تابعة للدّولة وأخرى خاصة مشفّرة. وبالنسبة إلى الذين يملكون الدّش فيُمكنهم متابعة قنوات أخرى بواسطته. وتحرص الحكومة التّونسية على مراقبة ما تبثه قناة TV 2  الفرنسيّة، فهذه القناة عادة ما تبثّ الأخبار المتعلّقة بتونس.   

وكافة الدّروس في المرحلة الابتدائيّة تكون باللّغة العربيّة، أمّا في المرحلة المتوسّطة والثانويّة فإن اللّغة الفرنسيّة هي المستعملة في تدريس الرّياضيات والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء (البيولوجيا) والمواد التّقنية. وتبذل الحكومة التّونسيّة جهودًا جادّة لتدريس هذه المواد باللغة العربية، غير أنّ نقص المدرسين الأكفاء باللّغة العربيّة أعاق طموحات الحكومة.

وبالنّسبة إلى التّعليم في الجامعة فإنّ اللغة الفرنسية هي المستخدمة غالبًا في تدريس العلوم والتّقنيات والعلوم الاجتماعية. ويوجد نقاش واسع بين الأساتذة في هذا الخصوص، فبعضهم يعتبر أنه لا يكفي أن تكون العربيّة قسمًا مستقلا بذاتها. وأرى أن السّبب في ذلك الاعتقاد بأنّ اللّغة العربيّة عاجزة عن تدريس هذه المجالات.

(الحلقة القادمة: التربية الدّينية والحياة الاجتماعية والثّقافيّة).                               

عن الكاتب

د. مصطفى الستيتي

باحث متخصص في التاريخ العثماني.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس