(شخصية يونس إمره الذي جسده ممثل تركي في مسلسل حمل اسمه وتناول حياته)

ترك برس

دأب الأتراك منذ قرون على ضرب الأمثال بالمحبة والتسامح، بالشاعر المتصوف يونس إمره الذي خُلّدت أشعاره حتى اليوم الحالي، وبات يتردد على لسان الصغير والكبير في منطقة الأناضول.

وألهمت أشعار يونس إمره الذي عاش في القرن الـ 13 الميلادي، المكتوبة باللهجة التركية الأناضولية القديمة الثقافة والأدب التركيين بالعصر الحديث، وأصدر المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو قرارا بالإجماع يعلن عام 1991، الذكرى 750 لميلاد الشاعر، "عام يونس إمره الدولي".

وكان يونس إمره صوفيا التزم بطريقة الشيخ تابدوك إمره، الذي كان متأثرا بأشعار أشهر متصوفة القرن الـ 13 الميلادي مولانا جلال الدين الرومي، لكن أشعار يونس إمره جاءت، على خلاف مولانا، أكثر شعبية وبساطة.

ووفقا لأسطورة متكررة حول حياته، اقترب يونس إمره من تكية صوفية للدراويش قاصدا طلب الطعام، وهناك التقى حاج بكتاش ولي (1201-1271) مؤسس الطريقة البكتاشية الشهيرة التي انتشرت في تركيا وانتقل مركزها لألبانيا لاحقا وارتبطت بطبقة الإنكشارية وهم قوات مشاة من نخبة الجيش العثماني الذين شكلوا حرس السلطان الخاص، بحسب ما ورد في تقرير لموقع الجزيرة نت.

في الأسطورة، طلب يونس من الحاج بكتاش قمحا لكن الشيخ الصوفي عرض عليه الدعاء بدلاً عن ذلك، وهو العرض الذي رفضه يونس ثلاث مرات وأخذ القمح قبل أن يكتشف خطأه ويعود لتكية الدراويش طالبا الدعاء والبركة، وهناك أخبره الشيخ أن الفرصة قد فاتته وعليه إن أراد أن يلزم الشيخ تابدوك إمره، وهكذا بدأت رحلة عقود من اتباع هذا المعلم الروحي وأثمرت أشعارا صوفية يرددها الكثير من الأتراك حتى يومنا هذا، يقول في أحدها "لست مدعيا، لكنني جئت لأنشر الحب في القلوب، فمنزل الحبيب هو القلب، وديدني أن أعمر القلوب بالحب".

تلقى يونس تعليما جيدا في مدرسة "قاراطاي" السلجوقية التي تدرس العلوم الشرعية والقانون، وكان يفترض أن يعمل في وظيفة قاضي سلجوقي لكنه اختار أن ينتظم بالطريقة الصوفية ومرشدها الروحي، ويعتقد كثير من المؤرخين أن الطرق الصوفية لعبت أدوارا مدنية مهمة في الأناضول عندما ضعفت حكومة السلاجقة وعاصمتهم قونية في القرن الـ 13 الميلادي.

ووفقا لرواية شعبية فقد كتب يونس إمره مئات القصائد التي وجدها أحد معاصريه ويدعى "ملا قاسم" مخالفة للشريعة فأحرق الكثير منها، لكن بعضها نجا في مخطوطة يعود تاريخها للقرن الـ 15 بمدينة بورصة التركية، وتدور قصائدها حول السعي لتطهير النفس والتطلع إلى الارتقاء الروحي، ويتناول الشاعر فيها مواضيع الحياة والموت والتفاني، والعدالة الإلهية.

وعبر عن طريقة تفكير الصوفية في عصره بلغة شعرية بسيطة وسلسة، تعد امتدادا للتقاليد الشعرية التي بدأت مع أحمد بن إلياس اليوسفي المتوفى عام 1166م، والذي يعرف بأنه أول صوفي تركي، إذ درس التصوف والعلوم الدينية وترك أشعارا صوفية.

ويقع قبر يونس إمره المعروف في قرية "صاري كوي" التابعة لولاية أسكي شهير وسط تركيا.

وكتبت المستشرقة الألمانية "أنّا ماري شيمل" كتيبا صغيرا سمّته "رحلات مع يونس إمره" وضمنته جوانب من سيرته وأشعاره، وأورد الأديب المصري الراحل حسين مجيب المصري الذي يلقب بعميد الأدب الإسلامي مجموعة من أشعار إمره التي ترجمها للعربية مع الباحثة بديعة عبد العال في الديوان الصادر بالعربية عن الدار الثقافية للنشر بالقاهرة.

وعانى إمره من آلام الغربة وتمتلئ قصائده بأسماء البلاد التي ساح فيها شرقا وغربا، كما تشير لحزنه على بلاد الترك التي تعرضت لغزو المغول وما أحدثته هجماتهم من سلب ونهب وخراب، وتجاوز إمره في أشعاره موقف الصوفي الدرويش ليكتب شعرا يحضّ الأمة على الاتحاد في مواجهة المغول، والنظر والتأمل في حال الإنسان، والبعد عن الظلم والكِبر. 

وفي يومنا الحالي، يوجد في تركيا، معهد يونس إمره الثقافي، الذي يعد جسر تواصل ثقافي وعلمي بين تركيا وبلدان العالم، حيث يمتلك شبكة واسعة حول العالم تشمل 157 مركزا في 5 قارات، يعمل من خلالها على التعريف باللغة والثقافة التركيتين.

https://www.youtube.com/watch?v=8QJyHDwWz7E

(مقطع من مسلسل يونس إمره الذي بثه التلفزيون الرسمي التركي تي آر تي سابقاً وتناول حياة الشاعر المتصوف)

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!