(الرئيس التركي وهو يشاهد أحد عروض المهتران العثماني)

ترك برس

يعدّ المهتران أو الـ "مهتر" أقدم جوقة عسكرية في العالم، حيث قدمت أول أناشيدها عام 1299، في عهد الأمير عثمان بن أرطغرل مؤسس الدولة العثمانية التي استمر حكمها سبعة قرون.

ورغم مرور أكثر من سبعة قرون على تأسيسها ما زالت الجوقة العسكرية العثمانية تفرض إيقاعها على يوميات الحياة التركية المعاصرة في كافة الميادين.

وتدير الكثير من المؤسسات فرقا تراثية تحمل اسم "المهتر" وتشارك في المناسبات الرسمية والشعبية، فهي التي تحيي ذكرى فتح إسطنبول الكبير، ويسترجع الأتراك على إيقاعاتها مآثر أجدادهم في معارك جناق قلعة وصاري قاميش وغيرها.

وتظهر المهتران بألوانها الزاهية في الاحتفالات الخاصة بالمناسبات الدينية والوطنية والسياسية، فهي رفيق الإفطارات الجماعية الكبرى في رمضان وروح منصات تكريم حفظة القرآن الكريم التي تعمر بها مساجد الأناضول والبقاع التركية في أوروبا على السواء.

وإلى يومنا الحاضر، يحافظ أعضاء فرقة المهتر على التراتبية الإدارية التي يتدرجون فيها وتحدد أماكن وقوفهم وشكل ثيابهم وطبيعة الدور المطلوب من كل منهم، بحسب تقرير لموقع "الجزيرة نت."

أما قائد المهتر فيقف باستقامة وشموخ في مواجهة عناصر الفرقة الذين يتحلقون عادة في دائرة غير مكتملة يبلغ طول قطرها أكثر من ستة أمتار.

ويواجه القائدَ مباشرة في مركز الدائرة قارعُ الطبول الذي يبدو كمدير إيقاع يتلقى التعليمات بعينيه ليهوي بعصاتين في يديه على "صلخ الطبل" مؤذنا ببدء الغناء، في وقت يمسك آخرون بالدف والمزمار.

وعلى محيط الدائرة ينتشر العناصر الذين يرددون الكورال العام وكلهم يرتدون الملابس التقليدية التركية الحمراء، في حين يغلق رجلان كبيران في السن قطر الدائرة وهما يحملان البيارق ويرتديان ملابس خضراء اللون.

ورغم تاريخها الضارب في القدم، فإن رئيس الفرقة يؤكد أن المهتر تلقى اهتماماً متزايداً في المجتمع سيما مدينة إسطنبول، ويرجع ذلك إلى جودة الغناء الذي تقدمه وحرص الناس على إحياء تراث أجدادهم.

كما يعتقد أن حرص المؤسسات الرسمية على حضور المهتر وإحيائها للفعاليات والأنشطة المختلفة ومشاهدتها من قبل الناس شجعت الأهالي على استدعائها لإحياء الموالد والأفراح والاحتفالات المختلفة، ورغم تحولها إلى فرقة تؤدي عروضها بالمناسبات الشخصية أو الخاصة، يؤكد الفنان التركي أن المهتر ستحافظ على طابعها الرسمي دون أن تصبح فناً تقليدياً منتشراً في الأسواق. 

وتقول المراجع التاريخية التركية إن تاريخ المهتر يرتبط بدلالات سياسية عميقة، فقد أرسل السلطان السلجوقي علاء الدين كيقباد الثالث جوقة موسيقية نحاسية سلطانية ترافقها فرقة طبول إلى عثمان بن أرطغرل تعبيراً عن تقديره العميق لما قدّمه الأمير الشاب من خدمات كبيرة للسلاجقة.

بل تعتبر هذه الهدية التاريخ الرمزي لميلاد الدولة العثمانية، وتسلمها الراية من السلاجقة الذين كانت دولتهم في ذلك الوقت تلفظ أنفاسها الأخيرة.

وبحسب الأكاديمي والباحث بالتاريخ التركي نجدت أولجان فإن المهتر ظهرت مع بداية العهد السلجوقي حين كان السلطان يطلب ضرب إيقاعها خمس مرات باليوم لتذكر الناس بنظام الحياة الذي وجدت فيه عبادة الصلاة، في حين اكتفى سلاطين آخرون بالاستماع إلى المهتر ثلاث مرات يوميا.

وأضاف أولجان أن السلاجقة اعتادوا اصطحاب المهتر إلى أي أرض يذهبون لها، كما كانت ألحانها تضرب في قصور قونية "عاصمة السلاجقة في الأناضول" واستخدموها كموسيقى "المارش العسكري" في المعارك والحروب، ويشير إلى أن الفرقة تشكلت من عدد يتراوح بين 12 إلى عشرين عضواً وكانت أعدادهم تزيد أو تنقص عن ذلك في بعض المناسبات.

مرت المهتر في العهد العثماني بتقلبات كثيرة، فقد ألغى السلطان محمد الثاني فاتح إسطنبول تقليد الوقوف بين يدي طبولها، في حين ألغاها السلطان محمود خان الثاني عام 1826 تماما.

لكن القائد العثماني الشهير أحمد مختار باشا عاد وأحياها بالتعاون مع الأديب جلال أسعد آرسون عام 1877، وأدخلت الجوقة على تقاليد الدولة وألحقت بوزارة الدفاع مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914.

وعند تأسيس الجمهورية عام 1924، احتجبت المهتران عن الأنظار ثم ألغيت رسمياً عام 1935 قبل أن يعاد إحياؤها مجدداً عام 1952 لتشارك بعد ذلك بعام واحد في الاحتفالات الأسطورية بالذكرى الخمسمئة لفتح إسطنبول.

وفي يومنا الحالي، تضم وزارة الدفاع التركية وقيادة الدرك (الجندرما)، فرقة مهتران في بنيتها، حيث تقدم هذه الفرقة عروضاً في مختلف المناطق التركية، بل وفي بلدان أخرى أيضاً، كما هو الحال مع العرض الذي قدمته مؤخراً وسط العاصمة الروسية موسكو.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!