ترك برس

بنى السلطان عبد الحميد الثاني، سكة حديد الحجاز بين دمشق والمدينة المنورة ما بين 1900 و1908. وكانت بدايته بتأسيس محطة حيدر باشا في إسطنبول، ويعد أهم خط سكة حديد في الجغرافيا العثمانية. بعد افتتاحه تمكن القطار من قطع المسافة فيما بين إسطنبول والمدينة المنورة في مدة تتراوح ما بين 3 و5 أيام.

غمرت المسلمون السعادة والبهجة عندما بدأ المشروع الضخم بتقديم خدماته قبل 112 عاما، وللأسف تم تدميره للأبد بعد ثمان سنوات.

يعد مشروع سكة حديد الحجاز ، الذي نقل الدولة العثمانية من دولة منهارة إلى دولة متقدمة، من أهم مشاريع السلطان عبد الحميد الثاني، خلال فترة حكمه التي استمرت 33 عاما، في الجغرافيا العثمانية نظرا لطوله وإمكاناته العسكرية والسياسية والاقتصادية.

تأسّس أول خط سكة حديد في الأراضي العثمانية على خط الإسكندرية - القاهرة في 23 أيلول/ سبتمبر 1852، ونفذ البريطانيون هذا المشروع بدعم من والي مصر عباس باشا. تلاه إنشاء خطوط سكك حديدية في الأناضول وروملي.

صمم المهندس الأمريكي من أصول ألمانية تشارلز زيمبل، فكرة بناء خط حديدي يربط فيما بين دمشق ودرعا، بهدف ربط دمشق بمنطقة البحر الأحمر. ولم يتم تنفيذ هذا المشروع بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي كانت تمر بها الدولة العثمانية، فقد تم تقديم العديد من عروض المشاريع المخصصة لبناء خط سكة حديدية يربط فيما بين إسطنبول والحجاز.

أولى السلطان عبد الحميد الثاني أهمية كبيرة للحجاز كونه يحمل لقب خليفة المسلمين، وتميز مشروع سكة حديد الحجاز بأهمية حيوية في تعزيز القوة التي يمنحها هذا الاسم الذي يساهم في وحدة الجغرافيا الإسلامية.

استقبل مشروع سكة حديد الحجاز بفرحة وبهجة كبيرتين من المسلمين في مناطق جغرافية بعيدة، إذ بفضله سيتمكن المزيد من المسلمين من أداء فريضة الحج في وقت أقصر بكثير من قبل كما سينعش التجارة. وكان له هدف مهم آخر وهو تسريع نقل القوات العثمانية.

ساهم المشروع الذي يعد مشروعا سياسيا وطنيا في زيادة الثروة والصناعة والتجارة في الأراضي العثمانية، وتطوير وتنمية المناطق التي يمر فيها خط سكة الحديد.

في 2 أيار/ مايو 1900، تأسّست مؤسسة “عمولة علي” بمدينة إسطنبول بهدف إنشاء خط سكة الحديد، وترأس إدراتها السلطان بنفسه، وكانت مؤسسة مرخصة في أعمال بناء السكك الحديدية.

تولت المؤسسة عدة مهمات منها إنشاء الخط وتوريد المنتجات اللازمة لأعمال البناء مثل القضبان والعربات والقاطرات والأسمنت والجير، وقامت بتعيين مهندسين وموظفين. ودفعت رواتب المشاركين في الدراسة والإشراف على جميع الأنشطة، كما تم إنشاء مؤسسات عمولة في دمشق وبيروت وحيفا.

كيف كانت عملية البناء؟

بدأ بناء سكة حديد الحجاز في 1 سبتمبر 1900، بالذكرى العشرين لتولي السلطان عبد الحميد الثاني الحكم، وتم تحديد عرض الخط بمتر واحد وخمسة سنتيمترات من داخل القضبان.

انتهى بناء القسم الثاني من خط درعا - الزرقاء وافتتاحه رسميا في 1 سبتمبر 1902، كما تم الانتهاء من قسم الزرقا - عمان، الذي يبلغ طوله 20 كيلومترا في 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 1902، ربط الخط بعد عام واحد بالضبط في 1 سبتمبر 1903 ما بين درعا ودمشق، كما وصل الخط إلى معان.

تم الانتهاء من مسافة 800 كيلومتر على خط دمشق - الحجاز بحلول سبتمبر 1906. ومن الجدير بالذكر أن العمال المسلمين فقط هم من شاركوا في أعمال بناء الجزء المتبقي بعد الانتهاء من جزء تبوك - العلا، لمنع مرور غير المسلمين من المناطق التي تلي هذا الطريق.

وصل طول الخط إلى 1464 كيلومترا بحلول سبتمبر 1908، بلغت ميزانيته 3 ملايين ليرة.

بدأ السلطان عبد الحميد الثاني، بحملة التبرع بتبرعه بمبلغ 50 ألف ليرة، كما قدم كبار المديرين التنفيذيين ورجال الدين والموظفين المدنيين ورجال الأعمال تبرعات لخط سكة الحديد، وتم منح المتبرعين ميداليات خاصة بسكة حديد الحجاز ، مما أدى لزيادة نسبة المتبرعين.

احتل بنك زراعات مكانة مهمة في إنشاء هذا المشروع، فقد تم تغطية ثلث تكلفة الخط المحلية والدولية تقريبا من قروض بنك زراعات. كما نفذت حملات تبرع خارج حدود الدولة العثمانية في البلدان التي يوجد فيها ممثلون دبلوماسيون عثمانيون، وتم تقديم تبرعات لسكة حديد الحجاز من المناطق التي يعيش فيها المسلمون مثل المغرب وروسيا وسومطرة وجاوا، باستثناء مصر.

افتتح قبل 112 عاما

حالت هجمات البدو والسياسات الاستعمارية الغربية دون تنفيذ خط سكة حديد الحجاز الذي يبلغ طوله 450 كيلومترا بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، لهذا السبب لم تتوفر الراحة المرجوة من السكة الحديدية أثناء الحج، كما تجلت أكبر مساهمة للسكة في المجال العسكري.

بعد افتتاح سكة خط حديد الحجاز في 1 سبتمبر 1908، كان له رحلة في كل يوم على خط حيفا - دمشق، و3 رحلات في الأسبوع على خط دمشق - المدينة المنورة.

وفي أثناء إنشاء خط السكة الحديدية، تم بناء 2666 جسرا وقنوات بناء و7 جسور حديدية و9 أنفاق، و96 محطة و7 برك و37 خزان مياه ومستشفيين و3 ورش عمل.

قدم السلطان عبد الحميد الثاني طعاما في أجزاء من سكة حديد الحجاز بالقرب من المدينة المنورة، كما اهتم بنفسه بأعمال البناء من بدايتها إلى نهايتها بكل المراحل، وأمر السلطان احترامًا للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بتغطية كافة المطارق بقطع قماش من اللباد كما غطيت عجلات القطار بنفس القماش في المناطق القريبة من المدينة المنورة، كي يكون مرورها دون ضجيج.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!