د. علي محمد الصلابي-خاص ترك برس

ازدادت قوة السلاجقة في بلاد ما وراء النهر وتعاظمت في بداية القرن الخامس الهجري مما أثار حفيظة السلطان محمود الغزنوي-سلطان الدولة الغزنوية-فقام في سنة (415 هـ) بعبور نهر جيحون لمقاتلتهم، فنجح في القبض على زعيمهم أرسلان، وولده قتلمش، وعدد من كبار أصحابهِ، وبعث بأرسلان إلى الهند حيث مات في السجن بعد أن قضى فيهِ سبع سنوات، وبعد أربع سنوات (419 هـ) خرج السلطان محمود لقتال السلاجقة مرة أخرى بناء على التماس سكان مدينتي (نسا -وباورد)، فأنزل بهم هزيمة ساحقة.

لقد ظل السلاجقة بعد الهزيمة يتحينون الفرص للثأر من الغزنويين، فكان لهم ذلكَ بعد وفاة السلطان محمود، وقيام ابنه مسعود بمهام السلطنة (421 هـ)، حيث تمكنوا من الانتصار على جيوشه، لكنهم اتصلوا به وعرضوا عليه الصلح، والدخول في طاعته فاستجاب لهم، ومنح زعماءهم الولايات، وأسبغ عليهم الألقاب، وأغدق عليهم الخلع.

1- معركة دندانقان وتوسع النفوذ السلجوقي:

وعلى الرغم من ذلكَ فقد كان الغزنويون يدركون مدى الخطر الذي كان يشكله السلاجقة عليهم، لذلكَ فقد أمر السلطان مسعود عامله على خراسان سنة (429 هـ)  بقتال السلاجقة، فدارت الحرب بين الطرفين قرب مدينة سَرخس، وقد انتهت دولتهم حيث اندفعوا بعدها بقيادة زعيمهم طغرل بك نحو نيسابور التي دخلها، وأعلن نفسه سلطاناً على السلاجقة، وجلس على عرش السلطان مسعود الغزنوي في السنة تلك نفسها سنة (429 هـ)، وكان من نتيجة ذلك أن زحف مسعود بجيوشه نحو خراسان، واشتبك مع السلاجقة بمعركة حاسمة في مكان يعرف باسم دَندانقان، وانتهت بهزيمة الغزنويين وكان ذلكَ عام (431 هـ) ، لم يلبث السلطان مسعود أن لقي مصرعه عام (432 هـ ) ، فخلفه ابنه مودود.

وقد أصبح السلاجقة بعد معركة دَندانقان أكبر قوة في خراسان في حين كان الغزنويون قد ضعفوا بعد أن فقدوا غالبية جيوشهم، وخسروا العديد من ممتلكاتهم، واستطاع الغزنويون في أفغانستان من الاستيلاء على أملاكهم في الهند سنة (582 هـ).

2- نتائج معركة دندانقان:

أ. وضعت معركة دندانقان حدّاً نهائياً لحكم الغزنويين في خراسان، ونصب طغرل بك التخت في مكان المعركة وجلس عليه، وجاء الأعيان يسلِّمون عليهِ بإمارة خراسان.

ب. حرَّر طغرل بك الرسائل إلى الأمراء المجاورين؛ لإعلامهم بخبر الانتصار.

ج. طاردت القوات السلجوقية القوات الغزنوية المنهزمة حتى شواطئ نهر جيحون؛ بهدف قسرهم على الهرب إلى ما وراء النهر، حتى يقدِّموا برهاناً ملموساً على النصر.

د. أتاحت المعركة قيام سلطنة إسلامية جديدة، وانحسار ظل واحدة، كما تُعدُّ إحدى المعارك الكبرى الفاصلة في التاريخ الإسلامي، بل إن نتائجها تعدَّت العالم الإسلامي، وأثرت على عالم العصور الوسطى.

هـ.  أعرب مسعود من ناحيته في رسالة أرسلها إلى القراخانيين عن ثقته في قيامهم بمساعدته في حملته المقبلة؛ لاستئصال شأفة السلاجقة، غير أن صدمة الخسارة قد أذهلته لدرجة فقد معها الرغبة في المقاومة، فخيل إليهِ أنه لا بد من ترك ليس بلخ وتوابعها بل وغزنة أيضاً، على الرغم من محاولات أركان حربه وكبار رجال دولته؛ لإقناعهِ بانتفاء أُسس هذه المخاوف، وقرَّر الانسحاب نهائياً إلى الهند.

و. اقتسمت العشائر السلجوقية ـ بعد الانتصار ـ الأراضي التي استولوا عليها، فكان نصيب جفري مدينة مرو، فاستقر بها، واتَّخذ منها عاصمة لملكه، كما ملك أكثر خراسان، وكان نصيب أبي علي الحسن بن موسى ولاية بُست، وهراة، وسجستان، وما يجاور ذلكَ من النواحي.

وأخذ قاورد -أكبر أبناء جفري -ولايـة الطبس، ونواحي كرمان. وحصل إبراهيم بن ينال على همذان، كما حصل ياقوتي على أبهر، وزنجان، ونواحي أذربيجان، وكان من نصيب قُتلميش بن إسرائيل جرجان، ودامغان.

والواقع أن فكرة التقسيم هذه تتعارض مع الفكرة الإيرانية عن الملك بوصفه صاحب السلطة المطلقة في الدولة، وهي غريبة على السلاجقة الأوائل؛ إلا أن المسؤولين السلاجقة هدفوا من وراء ذلكَ على إحاطة السلطنة الغزنوية، ومنعها من محاولة استعادة خراسان، ثم تأمين فتح طريق جيحون من أجل قدوم مهاجرين غزنويين جدد.

ز. يُـعَدُّ عام (429 هـ) البداية الفعلية لقيام السلطنة السلجوقية في خراسان، لأن طغرل بك باشر مُنذُ ذلكَ التاريخ مهامه السياسية، والقيادية، والإدارية. وأما اعتراف الخليفة العباسي به سلطاناً، والذي جاء متأخراً، في عام (432 هـ) لم يغيِّر من الواقع، فاعتراف الخليفة هو بمثابة اعتراف بالأمر الواقع، كما أنه شكلي فقط لإضفاء الشرعية على السلطنة الناشئة حتى يرضى عنها الناس، ويقبلوا بحكمها، لأن الخلافة لم تكن تملك قوة مادية تسمح بالتدخل، والمساهمة في الأحداث السياسية، وكان الخليفة يعترف عادة بالسلطان المنتصر والدولة المنتصرة.

ح. وكان لقيام السلطنة السلجوقية أثر كبير في تاريخ المشرق الإسلامي، وغربي آسيا بشكل خاص، والتاريخ الإسلامي بعامة، ذلكَ أن السلطنة قد ساهمت في توجيه الأحداث السياسية في المشرق الإسلامي بشكل بارز، وفي رسم سياسة توسعية باتجاه العالم النصراني، لنشر العقيدة الإسلامية.

ط. إن ما حقَّقه طغرل بك من نجاح أغراه بالتمدد نحو العراق، قلب العالم الإسلامي للسيطرة على الخلافة العباسية، وإقامة دولة سلجوقية مترامية الأطراف، يُعدُّ هذا التوجه طبيعياً، فكل من سبقوه في السيطرة على خراسان تطلَّعوا إلى التمدد نحو الغرب؛ للسيطرة على بغداد، والتحكم بمقدرات الخلافة العباسية، ولنا في محاولات السامانيين، والصفّاريين، والغزنويين أمثلة كافية، أضف إلى ذلكَ، فقد هدف طغرل بك إلى إنقاذ الخلافة، والمذهب السنيِّ من السيطرة البويهية الشيعية ونواحي أذربيجان، وكان من نصيب قُتلميش بن إسرائيل جرجان، ودامغان.

والواقع أن فكرة التقسيم هذه تتعارض مع الفكرة الإيرانية عن الملك بوصفه صاحب السلطة المطلقة في الدولة، وهي غريبة على السلاجقة الأوائل؛ إلا أن المسؤولين السلاجقة هدفوا من وراء ذلكَ على إحاطة السلطنة الغزنوية، ومنعها من محاولة استعادة خراسان، ثم تأمين فتح طريق جيحون من أجل قدوم مهاجرين غزنويين جدد.

ي.  يُـعَدُّ عام (429 هـ) البداية الفعلية لقيام السلطنة السلجوقية في خراسان، لأن طغرل بك باشر مُنذُ ذلكَ التاريخ مهامه السياسية، والقيادية، والإدارية. وأما اعتراف الخليفة العباسي به سلطاناً، والذي جاء متأخراً، في عام (432 هـ) لم يغيِّر من الواقع، فاعتراف الخليفة هو بمثابة اعتراف بالأمر الواقع، كما أنه شكلي فقط لإضفاء الشرعية على السلطنة الناشئة حتى يرضى عنها الناس، ويقبلوا بحكمها، لأن الخلافة لم تكن تملك قوة مادية تسمح بالتدخل، والمساهمة في الأحداث السياسية، وكان الخليفة يعترف عادة بالسلطان المنتصر والدولة المنتصرة.

ك. إن ما حقَّقه طغرل بك من نجاح أغراه بالتمدد نحو العراق، قلب العالم الإسلامي للسيطرة على الخلافة العباسية، وإقامة دولة سلجوقية مترامية الأطراف، يُعدُّ هذا التوجه طبيعياً، فكل من سبقوه في السيطرة على خراسان تطلَّعوا إلى التمدد نحو الغرب؛ للسيطرة على بغداد، والتحكم بمقدرات الخلافة العباسية، ولنا في محاولات السامانيين، والصفّاريين، والغزنويين أمثلة كافية، أضف إلى ذلكَ، فقد هدف طغرل بك إلى إنقاذ الخلافة، والمذهب السنيِّ من السيطرة البويهية الشيعية.

كان لقيام السلطنة السلجوقية أثر كبير في تاريخ المشرق الإسلامي، وغربي اسيا بشكل خاص، والتاريخ الإسلامي بعامة، ذلكَ أن السلطنة قد ساهمت في توجيه الأحداث السياسية في المشرق الإسلامي بشكل بارز، وفي رسم سياسة توسعية باتجاه العالم النصراني، لنشر العقيدة الإسلامية.


أهم المصادر والمراجع:

البيهقي، جامع التواريخ، ص727 ـ 728.
سهيل زكَّار، مدخل إلى تاريخ الحروب الصليبية، ص 29.
علي محمد الصلابي، دولة السلاجقة دولة السلاجقة وبروز مشروع إسلامي لمقاومة التغلغل الباطني والغزو الصليبي، ص 35-37.

ياقوت الحموي، هراه: مدينة عظيمة من أمهات مدن خراسان، (5/396).

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس