ترك برس

لا يتوقف الساسة البريطانيون عن ترديد عبارة "استعادة السيادة" للتعليق على الخروج التاريخي من الاتحاد الأوروبي، وما يستتبع ذلك من استرجاع القرار الاقتصادي والدبلوماسي. وفق تقرير لشبكة الجزيرة القطرية.

وأضاف التقرير أنه لم يكن من قبيل الصدفة أن تصادق لندن على اتفاق التبادل التجاري مع تركيا بعد أسبوع فقط من الخروج، رغم ما تمر به العلاقات التركية الأوروبية من أزمات، في رسالة لتحرر المملكة المتحدة من "الثقل" الأوروبي.

وعلى امتداد عقود ظلت السياسة الخارجية البريطانية متشابكة مع التوجه الأوروبي ولصيقة بها، بيد أن ما يدور حاليا في الأروقة السياسية في لندن هو مشروع جديد لبناء "بريطانيا العالمية" القادرة على اجتراح خط دبلوماسي مستقل عن التكتل الأوروبي، والتأثير في القضايا العالمية.

وينسحب مشروع "بريطانيا العالمية" على منطقة الشرق الأوسط، حيث تتركز المصالح والصراعات العالمية، وتشتد المنافسة على النفوذ، فهل تتوفر بريطانيا على العدة الدبلوماسية والاقتصادية، لإيجاد مساحة خاصة لها في هذه المنطقة؟ هذا السؤال طرحناه على أكاديميين بريطانيين قدموا وجهات نظر متقاطعة حول شكل الدبلوماسية بعد البريكست.

أقل قوة

لا تسمح الفترة الحالية، الموسومة بأزمة وباء كورونا والتدهور الاقتصادي، لصانع القرار البريطاني برسم سياسة خارجية مستقلة تماما عن أوروبا، من وجهة نظر البروفيسور طاهر عباس العضو في مركز الأمن والدراسات العالمية، الذي يرى أن المملكة ستركز حاليا على إقامة علاقات تجارية مع الدول التي تراها مهمة كما فعلت مع تركيا "وهذا الاتفاق ليس فقط تجاريا بل يشمل قضايا الأمن والتعاون المخابراتي والعسكري".

ويرى البروفيسور المحاضر في عدد من الجامعات البريطانية أنه سيكون من الصعب أن تتخلص المملكة المتحدة من الإرث الأوروبي فيما يتعلق بالسياسة الخارجية بسهولة "فإعادة رسم المشهد من جديد سيحتاج للكثير من الوقت".

وعلى صعيد العلاقة مع إيران، يرى الخبير في العلاقات الدولية وحل النزاعات أن هناك تدهورا في العلاقة بين لندن وطهران "بسبب اعتقال مواطنين بريطانيين، والقرارات التي تتخذها إيران فيما يتعلق بملفها النووي" متوقعا أن تستمر لندن على نفس المنوال في التعاطي مع هذا الملف "أي التنسيق مع الأوروبيين ومع الإدارة الأميركية الجديدة".

وبعيدا عن الشعار السياسي الذي يحمله أنصار البريكست، بقرب عودة بريطانيا كقوة عالمية، يرى عباس أن "بريطانيا أقل قوة لأنه على الصعيد الإستراتيجي عندما تخرج من أكبر سوق تجاري فهذا يفقدك الكثير من وسائل التأثير".

وحدها منطقة الخليج التي يمكن أن تمنح للمملكة المتحدة ما تبحث عنه من تعزيز للعلاقات "فالتاريخ يلعب دورا في العلاقة بين الطرفين، كما أن هذه المنطقة يمكن أن تمنح لندن فرصا اقتصادية لن تجدها في أي مكان آخر، ولهذا ستركز الجهود عليها".

اقتراب من تركيا

يستند الدكتور فواز جرجس، أستاذ العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد، إلى المقاربة التاريخية، لتحليل شكل السياسة الخارجية البريطانية بعد البريكست، ليخلص أن "الدبلوماسية البريطانية امتداد للسياسة الخارجية الأميركية، ومنذ عقود ليس هناك أي تمايز بين البلدين وذلك منذ حرب السويس وصولا لغزو العراق".

ويقلل مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، في جامعة لندن، من التمايزات القليلة التي ظهرت بين لندن وواشنطن، في التعامل مع الملف الإيراني والفلسطيني، خلال عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب فـ "التنسيق الكامل سيعود مع الإدارة الأميركية الجديدة في التعامل مع الملفين الفلسطيني والإيراني".

ويتفق جرجس مع عباس، في كون قاطرة الاقتصاد هي التي ستجر عربة الدبلوماسية فـ "الجهد البريطاني حاليا منصب على توقيع اتفاقيات تجارية تخفف من آثار كورونا والبريكست".

ويحدد الخبير في العلاقات الدولية منطقتين ستكون لهما الأولوية القصوى في الشرق الأوسط، وهما الخليج وتركيا فـ "تاريخيا كان الخليج المسرح الأهم لبريطانيا وهو ما تترجمه الاستثمارات الخليجية الضخمة في المملكة المتحدة" أما بالنسبة لتركيا "فهي مهمة لبريطانيا بالنظر لموقعها الإستراتيجي وحجم تأثير تركيا في الشرق الأوسط".

وعلى من ينتظر عودة "بريطانيا العظمى" كما كانت قبل عقود عندما كانت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، فعليه أن ينتظر طويلا "لأن الخروج من الاتحاد الأوروبي قزم من حجم بريطانيا، فعلى الصعيد العالمي لدينا الصين وأميركا والاتحاد الأوروبي، أما بريطانيا فخرجت من معادلة قوى الصف الأول" كما يقول الدكتور جرجس.

هذا الخروج يستتبعه بالضرورة انتهاج سياسة خارجية أكثر توافقية، والسعي لخلق "صفر مشاكل" لجذب شركاء تجاريين أكبر.

أهمية الخليج

ستعرف منطقة الخليج إنزالا دبلوماسيا قويا من طرف المملكة المتحدة، حسب توقعات البروفيسور جلبير الأشقر، أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات الشرقية والأفريقية التابع لجامعة لندن، الذي يعتبر أن هذه المنطقة وما تقدمه من فرص اقتصادية "ستعرف منافسة حقيقية بين الفرنسيين والبريطانيين والألمان، مع أفضلية لبريطانيا لما لها من علاقات تاريخية مع دول المنطقة".

ولا يرى المتحدث ذاته أي مجال لأن يكون هناك أي تمايز في التعامل مع الملف الإيراني بعيدا عن توجه الإدارة الأميركية القادمة "بالنظر لأهمية هذا الملف لواشنطن وأيضا لأن بايدن يحمل معه مشروعا للعودة للتفاوض مع الإيرانيين".

ويختلف الوضع في التعامل مع تركيا، حيث تمتلك بريطانيا هامشا لتقوية علاقتها مع أنقرة "ورغم الانتقادات الأوروبية للتقارب البريطاني التركي إلا أن لندن تتحرك بدافع المصلحة وترى أن تركيا قادرة على أن تكون شريكا قويا في الشرق الأوسط".

أما على صعيد الملف الفلسطيني "فالدور البريطاني سيكون محدودا" حسب تقدير الأشقر، وهذا راجع لتراجع وزن بريطانيا عالميا بعد الانسحاب من الاتحاد الأوروبي "ولن تعرف السياسة البريطانية أي تغيير في الملف الفلسطيني خصوصا وأن الإدارة الأميركية القادمة تولي أهمية كبرى للتعاون مع الأوروبيين".

ويخلص المتحدث إلى أن شعار "بريطانيا العالمية" من "أوهام" البريكست التي ستظهر مع الأيام أنها غير صحيحة حسب توقعاته.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!