د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن أنقرة ستوسّع نطاق عملياتها العسكرية في المرحلة المقبلة ضد مسلحي "حزب العمال الكردستاني" الذي يهدد الأمن القومي التركي حيثما هو في سوريا والعراق.

أردوغان كان يتحدث في أعقاب عثورالقوات التركية، على جثث 13 مواطنا لدى مداهمة إحدى مغاور مجموعات "بي كا كا" الإرهابية في منطقة "غارا" العراقية في إطار عملية "مخلب النسر-2" التي انتهت بتحييد أكثر من 50 عنصرا لهذا التنظيم. رسالة أردوغان الأهم إلى جانب قرار مواصلة العمليات العسكرية كانت أن "القوات التركية ستبقى في المناطق التي دخلتها وحققت فيها الأمن، لتفادي أي اعتداء إرهابي مماثل لمجزرة غارا، وذلك وفق ما تقتضيه الضرورة".

الرد الأول والأسرع جاء من طهران قبل أن يكون من بغداد عبر تحريك ألوية "الحشد الشعبي" نحو سنجار لمواجهة "أي عدوان تركي على السيادة العراقية " كما قالت قياداتها.

بعد مسح الدموع في الداخل التركي سيكون هناك كثير من الأسئلة والنقاشات حول طريقة الرد على مجزرة غارا. الرسائل التركية السياسية والعسكرية تقول إن العمليات العسكرية التركية ستكون باتجاه استهداف قواعد وتحصينات "حزب العمال" مهما تقدم في العمقين العراقي والسوري وستطول كلّ من يحاول توفير الدعم والحماية له داخل أراضيه. المسألة أبعد إذا من تحريك الحشد الشعبي لقواته باتجاه سنجار أو محاولة فرض نفسه على القرار في بغداد.

الرد التركي المحتمل سيكون باتجاهين أيضا: سنجار حيث تحصينات مجموعات حزب العمال المحمية بإيران والورقة الإيزيدية ومنطقة شرق الفرات حيث التنسيق المتواصل بين قسد ومجموعات البي كا كا. والبداية لا بد أن تكون على صلة بما يجري داخل المثلث الحدودي التركي السوري العراقي في منطقة عين ديوار السورية الفاصلة بين الحدود المشتركة مع جزيرة ابن عمر في الجانب التركي.

رسالة أنقرة تعني واشنطن التي تستعد لبناء قاعدة عسكرية هناك تمكنها من الإشراف على إدارة أهم خطوط الوصل بين الدول الثلاث. ففريق عمل ماكغورك قد يتحرك بهدف قطع الطريق على أي تفاهمات تركية إيرانية في المنطقة تحت ذريعة منع مجموعات داعش التنقل بين الدول الثلاث، لكن الهدف هنا هو تثبيت الهيمنة الأميركية على المنطقة تمهيدا لحماية حصة قسد لاحقا فيها. أنقرة لا تستبعد أن يكون الهدف الاستراتيجي الأهم اختراق الإدارة الأميركية للحوض المائي في المنطقة الذي يقرب نهري دجلة والفرات من بعضهما البعض ويحمي بالتالي "حصة " إسرائيل المائية التي تعاني دائما من شح مائي دفعها باتجاه الجولان وجنوب لبنان والأردن لفرض شراكتها في هذه الثروة عبر قسد والتسهيلات الأميركية. تثبيت حكم قسد وهيمنتها على الموقع لصالح تل أبيب في "الميزوبوتاميا العليا" حلم تاريخي إسرائيلي عماده مياه دجلة والفرات والوسيط قد يكون هنا قسد.

التفاهمات الأخيرة بين أنقرة وبغداد وأربيل خلال زيارة وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إلى العاصمة العراقية أغضبت طهران وقلبت حساباتها خصوصا في منطقة سنجار حيث تم الاتفاق على تفعيل الاتفاقية العراقية حول الموضوع. تحريك قوات الحشد الشعبي قد يكون سببا إيرانيا للرد. قوات الحشد الشعبي يهمها الدفاع عن سيادة العراق لكنها تنسى أن معركتها الأولى هي مع مجموعات حزب العمال المحصنة في سنجار وقنديل وغارا قبل أن تكون مع القوات التركية إذا ما كانت جادة في حماية الأراضي العراقية.

هدف مخلب النسر -3 هو توجيه أكثر من رسالة بأكثر من اتجاه. إلى العمال الكردستاني أن نهايته اقتربت لكنها أيضا باتجاه قطع الطريق على المناورة الإيرانية في سنجار وإفشال المخطط الأميركي في شمال شرقي سوريا على الحدود مع تركيا. المسألة أبعد من إعلان هادي العامري رئيس "تحالف الفتح" العراقي عن نية الجيش التركي الهجوم على جبل سنجار، ومطالبته الحكومة باتخاذ إجراءاتها لردع أي عدوان على أراضي العراق. أنقرة تنتظر تأكيد السلطة السياسية في بغداد لأن هذا هو ما يعنيها بالدرجة الأولى. هناك مواطنون أتراك تم اختطافهم إلى داخل الأراضي العراقية وتمت عملية تصفيتهم بطريقة وحشية وهناك قانون دولي إنساني أيضا يسأل عن تفاصيل ما جرى ومن الذي اخترق السيادة العراقية في جبال غارا وكيف سيرد الجانب العراقي طالما أن قيادات الحشد تتحدث عن السيادة والقانون واحترام حقوق الجار؟

أنقرة تدرك تماما أن عملياتها العسكرية في فصل الشتاء بهذه النوعية والقدرات في شمال العراق أوجعت البعض لأنها طالت تحالفاته وشراكاته أميركيا وإيرانيا. لكنها تقول أكثر من ذلك بعد مجزرة غارا ضد مواطنيها، لا زمان أو مكان بعد الآن في تحديد ساعة الصفر وشكل الرد التركي على المجموعات الإرهابية داخل الأراضي التركية وخارجها.

وصف أردوغان قبل 3 أعوام مجموعات الحشد بالتنظيم الإرهابي في العراق. تحركت إيران لقطع الطريق على هذا التوصيف بدمج المجموعات في المؤسسة العسكرية العراقية. طهران تحمي حصتها داخل العراق وتريد الاستثمار فيها عند الضرورة. نحن لا نعرف إذا ما كانت مشكلة الحشد الشعبي هي مع تركيا "التي تهدد السيادة العراقية" أم مع تركيا التي تصر على القيام بعملية عسكرية في سنجار لتعطيل المشروع الإيراني الهادف للعب ورقة حزب العمال ضدها في جبال قنديل وسنجار وغارا؟

خيارات إيران في سنجار شبه واضحة لا تريد التفريط بأحد أهم خطوط الإمداد بين العراق وسوريا. الهدف ليس سياسيا فقط بل أمنيٌّ وتجاريٌّ وتقديم خدمات متعددة الجوانب لحلفائها المحليين هناك. تريد لعب ورقة حزب العمال والأقلية الإيزيدية وتضييق الخناق على أربيل وتحريك الأحجار ضد تركيا من شمال العراق عند الضرورة. أنقرة مصرة على سحب ورقة سنجار وشرق الفرات من أيدي كل الاطراف المحلية والإقليمية التي تحاول لعبها ضدها. وهي لن تقبل بخطط تبادل الهدايا على خط سنجار – القامشلي – الحسكة بين الميليشيات المدعومة إيرانيا وعناصر حزب العمال ومجموعات قسد بغطاء إيراني أميركي وتمويل بعض العواصم العربية. إيران ملزمة بعد الآن بحسم موقفها إما محاولة التفاهم مع واشنطن وعرض خدماتها ضد تركيا في المكانين أو مراجعة حساباتها والتذكر أن تركيا تملك أوراقا استراتيجية إقليمية أكثر وأهم مما تحاول الاستقواء به في المكان والزمان.

يدعو رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الأسبق اسماعيل حقي بكين إلى مهاجمة الشاحنات العسكرية التي تنقل السلاح والعتاد إلى شرق الفرات. أنقرة قد لا تفعل ذلك اليوم لكنها تذكر واشنطن أن آلاف الشاحنات المرسلة إلى شرق الفرات تحت ذريعة محاربة داعش هدفه أبعد من ذلك. انتهى مفعول داعش لكن إرسال السلاح لم يتوقف ما هو السبب؟ تحويل قسد إلى جيش نظامي تحت الأوامر الأميركية ربما؟ يعرفون عناوين مجموعات قسد ومسد عندما يرسلون السلاح لهم لكنهم لا يعرفون عناوين مجموعات حزب العمال التي ترتكب المجازر ضد المواطنين الأتراك من الداخل العراقي والسوري؟ ماكغورك يعود لينتقم لنفسه ربما بعدما أزاحه ترامب قبل عامين من المشهد السوري لكن أنقرة لن تسمح له بتجاهل حقها في سحق الإرهاب الذي يختطف مواطنيها وينقلهم إلى قواعده العسكرية التي بناها داخل دول الجوار التركي ثم يقتلهم هناك بدم بارد.

 

عن الكاتب

د. سمير صالحة

البرفسور الدكتور سمير صالحة هو أكاديمي تركي والعميد المؤسس لكلية القانون في جامعة غازي عنتاب وأستاذ مادتي القانون الدولي العام والعلاقات الدولية في جامعة كوجالي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس