ترك برس

ازداد الحديث خلال الفترة الأخيرة، عن إمكانية تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر أو تطويرها على الأقل عما هي عليها الآن من قطيعة سياسية، الأمر الذي أثار تساؤلات حول طبيعة الاتصالات المرتقبة بين البلدين، هل ستكون على المستوى السياسي والدبلوماسي أن ستقتصر فقط على صعيد أجهزة الاستخبارات لديهما؟

وتتزايد المؤشرات يوماً بعد يوم على وجود تقدم في الاتصالات التي باتت مؤكدة بين مصر وتركيا في محاولة للتوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين البلدين وإمكانية تحسين العلاقات السياسية عقب سنوات طويلة من الخلافات والقطيعة السياسية التي بدأت منذ الانقلاب على الرئيس المصري الراحل محمد مرسي.

هذه الاتصالات التي جرى تفعيلها في الأشهر الأخيرة، لا يوجد تصور دقيق حول مستوياتها وطبيعتها، في ظل امتناع الجانبين عن التحدث بشكل دقيق حولها، إلا أن الكثير من المؤشرات أعطت صورة أقرب لما يحصل، في حين أعطت التصريحات الرسمية التركية مؤشرات شبه قطعية على وجود هذه الاتصالات بل واحتمال قرب التوصل إلى اتفاق.

لكن هذه الاتصالات وعقب أشهر من إدارتها على مستوى المخابرات، وبعض المستويات الدبلوماسية المتدنية، باتت مهددة في أي وقت، وذلك في ظل اختلاف غايات الطرفين منها، ورغبة كل طرف في تحقيق أكبر قدر من الفائدة من هذه الاتصالات والظهور في مظهر المنتصر لا بمظهر الطرف الذي قدم تنازلات عقب سنوات من العداء السياسي.

على الجانب التركي، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان يرغب في أن تتواصل هذه الاتصالات على مستوى المخابرات، وألا تصل إلى مستويات سياسية متقدمة لتجنب معضلة الاعتراف بالنظام المصري والرئيس عبد الفتاح السيسي، وهي الخطوة التي وإن حصلت ستعتبر تنازلاً وتراجعاً تركياً.

وترى أنقرة أن البلدين يمكنهما التعاون باتصالات على مستوى المخابرات لحماية المصالح القومية للبلدين والعمل على تحقيق المصالح الوطنية للشعبين المصري والتركي بعيداً عن الآراء السياسية والتوجهات المختلفة للرئيسين التركي والمصري، وتعتبر أنه كما نجحت المخابرات التركية والمصرية في مراعاة مصالح البلدين في ليبيا ومنع الصدام العسكري، يمكنهما العمل بشكل مشترك لمراعاة مصالح البلدين في البحر المتوسط دون ربط ذلك بتحسن العلاقات السياسية بين البلدين، بحسب تقرير لـ "القدس العربي."

وتستند تركيا في هذا الطرح بدرجة أساسية على التسريبات السابقة التي أكدت وجود تقديرات قومية مصرية من جهاز المخابرات ووزارة الخارجية وغيرها من المؤسسات السيادية، بأن من مصلحة مصر القومية التوصل إلى تفاهمات مع تركيا حول البحر المتوسط، وهو الطرح الذي يدعم وجهة النظر التركية بأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين سيعود بالفائدة على مصر، وسيكسبها مناطق أوسع من تلك التي مُنحت لها في الاتفاق مع اليونان.

وفي هذا السياق، تبدو اليونان أكثر الدول المنزعجة من إمكانية حصول اتفاق تركي- مصري حول الحدود البحرية في البحر المتوسط، حيث حذرت صحف يونانية من ذلك، فيما تحرك رئيس الوزراء اليوناني مهاتفاً الرئيس المصري، كما أنه من المتوقع أن يزور وزير الخارجية اليوناني القاهرة، الاثنين، في مباحثات تركزت جميعها على ملف البحر المتوسط.

أما على الجانب المصري، فتُجمع كافة التقديرات في القاهرة إلى وجود مصلحة قومية في ترسيم الحدود البحرية مع تركيا والحصول على حصة أكبر من المساحات البحرية في المتوسط، ولعب دور أكبر وأكثر تأثيراً في ملف التنقيب والغاز وخطوط النقل في المنطقة بشكل عام.

لكن القاهرة تجد نفسها في موقف أكثر أريحية من أنقرة التي واجهت صعوبات كبيرة وخشية من العزلة في ملف الغاز ومصادر الطاقة في شرق المتوسط، وتبدو في حاجة ماسة لكسر العزلة عبر اتفاق مع القاهرة التي تحاول استثمار الظروف الحالية في تحقيق أكبر قدر من المكاسب السياسية.

وانطلاقاً من ذلك، يسعى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لربط أي تقدم حقيقي في المباحثات المخابراتية حول ترسيم الحدود البحرية بنقل المباحثات إلى المستوى الدبلوماسي ولاحقاً إلى مستوى سياسي متقدم؛ للبحث في تحسين العلاقات بشكل عام عبر الاعتراف بشرعية السيسي والنظام الحالي بشكل عام، بالإضافة إلى الحديث حول ملفات حساسة تتعلق بقيادات الإخوان في تركيا، ووسائل الإعلام المعارضة التي تعمل من الأراضي التركية وغيرها من الملفات.

وتشير هذه التناقضات، إلى أن الجانبين سيجدان نفسيهما أمام استحقاق كبير خلال الفترة المقبلة، على أن يتمثل ذلك في تغليب المصالح الوطنية والتوصل إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية من خلال المخابرات، أو الاختيار بين تقديم تنازلات كبيرة لإعادة العلاقات السياسية بين البلدين وإنهاء الخلافات؛ لأن الخيار الآخر سيكون العودة إلى نقطة الصفر وفشل هذه الفرصة التي يبدو أنها الأهم بين البلدين منذ سنوات طويلة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!