ترك برس -  الأناضول

عائلة أوزدمير، إحدى العائلات المسلمة التي اضطرت للهجرة من بلغاريا إلى تركيا بسبب "سياسة الاستيعاب" التي نفذتها صوفيا ضد الأتراك بين الأعوام 1984 - 1989.

ورغم مرور 32 عامًا على عمليات القمع والتهجير التي استهدفت المسلمين في بلغاريا، تستعيد عائلة أوزدمير تلك الذكريات، وتسردها لمراسل الأناضول.

وقالت خديجة أوزدمير (58 عاما)، التي تعيش في قضاء "كبزه" بولاية قوجه ايلي التركية (شمال غرب)، إن ابنتها ولدت عام 1985 في بلغاريا، وأن المستشفى الذي وضعت فيه طفلتها رفضت تسليمها إياها قبل أن يتم تسميتها باسم بلغاري مسيحي.

وأضافت: "كنت أريد منح الطفلة اسمًا تركيًا إسلاميًا، لكن إدارة المستشفى رفضت منحي هذا الحق. رفضوا تسليمي ابنتي قبل أن أقوم بتسميتها باسم بلغاري مسيحي".

وتابعت: "قبلت مضطرة أن تُمنح ابنتي اسمًا بلغاريًا، لقد عمدت إدارة المستشفى على تسمية ابنتي خريستينا، وإدراج هذا الاسم في السجلات الرسمية".

وأردفت: "تعرضنا لوسائل مختلفة من الضغط والقمع من أجل أن نجد أنفسنا مضطرين للرحيل عن أرضنا إلى تركيا، لقد أصدرت الحكومة في أحد الأيام قرارًا بمنع ارتداء الشالوار، وهو لباس شعبي ترتديه المسلمات في المناطق الريفية".

وأضافت بهذا الخصوص قائلةً: "كنا وقتها نعمل في الحقل، جاء موفدون من الحكومة وقاموا بتمزيق تلك الملابس (الشالوار) وحوّلوها إلى تنانير".

وزادت: "في أحد الأيام جاءت جارتنا إلينا مسرعة وأخبرتنا أن مندوبين عن الحكومة وصلوا إلى حيِّنا لتغيير أسماء المسلمين، كنت حاملًا أيضًا، فأخذت قليلًا من الزاد وركضت مسرعة إلى غابة مجاورة، بقيت هناك حتى انصرفوا".

وأكملت: "كان سكان القرى يهربون في كل الاتجاهات حتى لا يتم القبض عليهم من قبل المندوبين الحكوميين القادمين لتغيير أسماء السكان المسلمين".

وحول قرار الهجرة إلى تركيا، أشارت أوزدمير إلى أن الحكومة البلغارية أعطت جوازات سفر لبعض المواطنين المسلمين من أصول تركية وعمدت إلى ترحيلهم في اليوم التالي.

ولفتت إلى أنها لم تكن تمتلك القدرة المادية للقدوم إلى تركيا عام 1989، إلا أن الضغوط التي بدأت تأخذ منحى متصاعدا ضد المواطنين المسلمين من أصول تركية، دفعتها للهجرة عن قريتها ومسقط رأسها.

** أطفالي جاؤوا هاربين بالقطار

وأوضحت خديجة أوزدمير أنها تقدمت بطلب للحصول على تأشيرة دخول إلى تركيا للنجاة بنفسها وأطفالها من السياسات القمعية التي تنتهجها الحكومة البلغارية آنذاك ضد المسلمين الأتراك.

وأضافت: "لم نتمكن من الحصول على تأشيرة في ذلك العام، تقدمنا بعدها للسفارة التركية بطلب للحصول على تأشيرة سياحية لمدة 15 يومًا، وبالفعل حصلت أنا على تلك التأشيرة فيما تم رفض طلب زوجي وطفلاي".

وذكرت أنها جاءت إلى تركيا بمفردها، ومكثت لدى إحدى أقاربها لقرابة شهرين، ثم بدأت العمل في أحد المصانع، وتقول: "لقد شعرت براحة كبيرة منذ اللحظة التي دخلت فيها الأراضي التركية".

واستطردت: "أطفالي وزوجي وصلوا تركيا هربًا على متن أحد القطارات، وصلوا بحالة يرثى لها، لم أستطع التعرف عليهم، ابنتي كانت ترتدي معطفا كستنائيا ملوثًا بالوحل، وكذلك كان حال معطف ابني".

وأضافت بشيء من الحسرة: "لقد عشت بعيدًا عن أطفالي لمدة 5 إلى 6 أشهر، كنت أبكي دائمًا من حرقة الفراق، وكنت دائمًا أتذكر أطفالي وأتوق إلى رؤيتهم".

وقالت إنها لا تزال تحتفظ بصور لمنزلها في بلغاريا وتحلم بزيارته، مشيرةً أن الجروح التي خلفتها سياسة القمع والاضطهاد التي تعرض لها مسلمو بلغاريا لا زالت دامية، وأنها تستذكر تلك الأيام بألم وحرقة.

والعام الماضي، أصدرت رئاسة أتراك المهجر والمجتمعات ذات القربى (YTB)، كتابا حول سياسة الصّهر والتهجير والتعذيب وحوادث معسكر "بيلينا"، التي ارتكبها النظام الشيوعي في بلغاريا بين 1984 و1989 ضد أتراك البلاد.

وأفادت الرئاسة في بيان، بأن الكتاب أُعدّ لنقل القضية العادلة للأتراك البلغار إلى الأجيال القادمة، والمساهمة في حقهم في النضال من أجل مستقبلهم.

وكان معسكر "بيلينا" معتقلا لآلاف أتراك ومسلمي بلغاريا ممن احتجزهم النظام الشيوعي الذي حكم البلاد حتى عام 1989، بسبب معارضتهم له.

وبسبب أفكارهم ومعتقداتهم، تعرض نزلاء معسكر الاعتقال، لشتى أنواع التعذيب الدموية، التي كانت تنتهي في بعض الأحيان بالموت.

يذكر أن الأتراك استوطنوا بلغاريا قبل الفتح العثماني (قبائل القبجاق)، وبعد الفتح في القرن الـ 14 الميلادي (قبائل الأوغوز "التركمان")، وتعرضوا لانتهاكات ومجازر جماعية وحملات تهجير إلى الأناضول، بعد انهيار الدولة العثمانية.

تم تهجير عدد كبير من أتراك البلقان عموماً وبلغاريا خصوصاً إلى تركيا، بين أعوام 1912 - 1913، ثم تهجير جماعي آخر ما بين أعوام 1923 - 1939، ثم تهجير جماعي ثالث أعقب الحرب العالمية الثانية ما بين أعوام 1940- 1949 و1950-1951 و1969 - 1978.

كما وقع تهجير رابع بين عامي 1984-1985 وعام 1989، عقب قيامهم بمسيرات احتجاجية مناهضة للحكومة البلغارية، رفضاً لسنوات الاضطهاد الذي مورس ضدهم.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!