ياسين أقطاي - يني شفق

يجتمع اليوم قادة حلف شمال الأطلسي الـ"ناتو" في بروكسل، لمناقشة خطة العمل الاستراتيجية للحلف خلال العشر سنوات القادمة، وما يترتب على ذلك من مهام خلال تلك المرحلة.

لا شك أن مهمة الناتو في الآونة الأخيرة قد تعرضت لتآكل خطير.

ما الذي يمكن أن يقوله حلف الناتو من الآن فصاعدًا سواء للدول الأعضاء أو للعالم ككل، بعد أن فشل في حماية الحدود الأوروبية ضد روسيا، كما فشل في القيام بأي مهمة حماية يضطلع بها سواء من أجل مواجهة التهديدات التي تواجه أوكرانيا، ومسألة ضم شبه جزيرة القرم، كذلك الأمر بالنسبة للأوضاع التي تحيق بالشرق الأوسط عامة وسوريا وليبيا بشكل خاص؟ هذا هو السؤال الأكثر إلحاحًا.

لا يتوقف الأمر عند حدود عدم قدرة الحلف على حماية حتى الدول الأعضاء، بل بات مرهونًا تحت ضغوط "الهيمنة" التي تمارسها دولة من أعضاء الحلف مثل الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا، من وقت لآخر، من خلال محاولة فرض أمر واقع على بقية الدول الأعضاء.

إلى جانب ذلك، تقوم بعض الدول الأعضاء بحلف الناتو بالتحالف مع دول أخرى خارج الحلف ضد دول أعضاء في الحلف ذاته، ما يمثل في الحقيقة حالة يجعل من حلف الناتو شيئًا لا معنى له، ولا يمت لقواعد التحالف بصلة. والمفارقة أنهم على الرغم من ذلك تجدهم لا يترددون في استغلال التزامات الحلف كأدة ضغط على الدول الأخرى بشكل متعجرف.

قبل ثلاثة أيام فقط من اجتماع زعماء الدول الأعضاء بحلف الناتو، خرج وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ليصرّح بأنّ "تركيا في كثير من الأحيان لا تتصرف بالطريقة التي ينبغي أن تتصرف بها دولة حليفة في الناتو"، كما أعرب بلينكن أيضًا عن قلقه بشأن شراء تركيا صواريخ S-400 الروسية، والخطوات المتخذة في شرق المتوسط، وحقوق الإنسان، ومعاملة الصحفيين، وغير ذلك من مواضيع. وان الرئيس الأمريكي جو بايدن سيطرح جميع هذه المواضيع أمام أردوغان خلال لقائهما بقمة حلف الناتو اليوم.

تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أعطت انطباعًا مسبقًا حتى قبل انعقاد القمة، بالتوجه الموجود ضد تركيا. مما كشف عما يحمله بايدن جعبته أمام أردوغان.

إلا أن الوضع يختلف عن ذلك تمامًا، حيث أن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها لا تتصرف بما تقتضيه مبادئ التحالف إزاء دولة ينبغي أن تنظر لها كحليف ضمن الناتو، وبالأحرى هناك ما سقوله أردوغان لبايدن لا العكس، وما سيقوله أردوغان لبايدن خلال

اجتماعهما اليوم هو أهم بكثير مما سيقوله بايدن لأردوغان.

ما سيقوله أردوغان لبايدن في الحقيقة هو ذاته الذي يشرحه أردوغان منذ وقت طويل. ولقد أوضحه بشكل جلي قبيل مغادرته تركيا متوجهًا نحو بروكسل، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده في المطار.

على الولايات المتحدة أن ترى التهديد الموجّه ضد دولة حليفة لها ضمن حلف الناتو، على أنه تهديد مباشر موجّه لها أيضًا. إلا أن الولايات المتحدة تقوم بعكس ذلك تمامًا، حيث تدعم تنظيمات "YPG/PYD” أذرعة بي كا كا الإرهابية، التي تصنفها هي ذاتها ضمن قائمة الإرهاب، تدعم تلك التنظيمات على الرغم من أنها تهديدًا واضحًا ضد تركيا، دون أن تدري أن هذا الدعم أول ما يضر بحلف الناتو ذاته.

ما هو هدف واستراتيجية الأنشطة الأمريكية في سوريا التي تمارسها الولايات المتحدة في أقرب النقاط الحدودية لحليفتها في "الناتو" تركيا؟ لماذا لا تقوم الولايات المتحدة بإطلاق تركيا على ذلك، ولماذا لا تكون شفافة في هذه المسألة مع تركيا؟ إذا كانت لديها أولوية استراتيجية لمحاربة تنظيم داعش؛ فلا يوجد هناك بلد أو أي جهة فاعلة أخرى حاربت تنظيم داعش كما حاربته تركيا بشكل حقيقي وناجح. لماذا تصر الولايات المتحدة على التعاون وإنشاء استراتيجية مع إرهابيين أعداء لعضو حليف لها في الناتو؟ هذه أسئلة بسيطة للغاية.

ويمكننا بالطبع إسقاط هذه الأسئلة ذاتها على قضية منظمة غولن الإرهابية.

إن الولايات المتحدة التي تقلق على الصحفيين في تركيا العضو في حلف الناتو، تغفل عن إسرائيل التي تقوض أمن واستقرار وديمقراطية المنطقة برمّتها، تغفل عن المجازر التي نفذتها إسرائيل قبل أسبوعين فقط في قطاع غزة، وقصف إسرائيل للمبنى الذي يضم عشرات المكاتب الصحفية والإعلامية، من أجل أن لا ينقل أي أحد فظاعة جرائمها نحو العالم.

كذلك الأمر وقوف الولايات المتحدة إلى جانب انقلابيين بلباس صحفيين يريدون تقويض أمن دولة حليفة لها في الناتو، جميع ذلك في الواقع يظهر ابتعاد الولايات المتحدة عن مبادئ وأخلاق التحالف.

بينما تنتقد الولايات المتحدة تركيا لشرائها منظومة S-400 الصاروخية من روسيا، ماذا يمكنها أن تقول أو تبرّر حول عدم تمكن تركيا من الحصول على منظومة دفاع جوي لحماية أمن حدودها، لماذا لم تحصل تركيا على ذلك؟ كيف يمكن أن يكون لحليف أي مساهمة في حلف الناتو، وهو يقوم بمحاولة سلب كل شيء وعدم منح أي شيء؟ كيف يمكن أن تكون له فائدة لأي عضو من أعضاء الحلف؟ ماذا يمكن لهذا الحليف أن يقدّم للعالم، وهو لا يستطيع أن يفيد حتى حلفاءه بأي شيء؟

بلينكن نفسه الذي عبّر عن ارتياحه لتراجع تركيا عن بعض خطواتها في شرق المتوسط، كما قال بأنهم يجدون من الإيجابي أن تقوم أنقرة بسحب سفنها من المياه التي تعتبرها الولايات المتحدة منطقة اقتصادية خالصة لقبرص الرومية، وأن تنهي أنشطة التنقيب هناك. في حين ذكر أن إحدى نقاط الخلاف بين تركيا والولايات المتحدة، هي النزاع الموجود بين تركيا والقبارصة الروم في شرق المتوسط.

ماذا يعني ذلك؟ يعني أنهم يضعون القبارصة الروم الذين ليس لهم عضوية في الناتو مبرّرًا لإحداث خلاف مع دولة هي عضو في الناتو، بسبب نزاع غير حقوقي يصر القبارصة الروم على سلبه من تركيا. وها هي الولايات المتحدة تُظهر مرة أخرى مدى ابتعادها عن التعامل مع تركيا كحليف.

وإلى جانب كل ذلك هناك مسألة هي الأهم، وهي تصريحات بايدن العدوانية يوم 24 أبريل/نيسان الماضي، حينما وصف الأحداث التي وقعت قبل 106 أعوام بأنها "إبادة جماعية".

كل هذه أمور يجب أن تضعها الولايات المتحدة في حسبانها وتُسأل عنها، فليس لديها ما تسأل هي عنه. وإن اللقاء الذي ينعقد اليوم هو أو خطوة لتحقيق هذا الحساب والمساءلة.

عن الكاتب

ياسين أقطاي

قيادي في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس