ترك برس

قبل يوم واحد فقط من مغادرة كريستوفر كولومبوس ميناء "بالوس دي لا فرونتيرا" جنوبي إسبانيا للشروع في رحلة استكشافية من شأنها تغيير تاريخ العالم، غادرت الدولة ذاتها آخر سفينة تحمل يهودًا في 2 أغسطس/آب 1492.

النهاية المأساوية للوجود اليهودي في إسبانيا، والتي تعود إلى العصور التوراتية، مهدت الطريق لفتح فصل جديد في العلاقات التركية اليهودية التي كان لها تأثير عميق في التاريخ. بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية.

واستقر العديد من اليهود الإسبان المطرودين، والمعروفين أيضًا بـ"يهود السفارديم"، في مناطق الدولة العثمانية بدعوة من السلطان بايزيد الثاني، الذي أرسل أسطولًا لإجلائهم ومنحهم الجنسية العثمانية والحرية الدينية الكاملة.

وتابع تقرير الأناضول: في الحقيقة، وقبل عام 1492 بوقت طويل، كان يهود أوروبا على دراية بالظروف الملائمة لليهود في الإمبراطورية العثمانية.

وعلى هذا النحو، نمت وازدهرت المجتمعات اليهودية الرومانيوت والحاخامية والقرائية، وانضم إليها يهود من مناطق غير عثمانية من الشرق الأدنى بين أواخر القرن الرابع عشر ومنتصف القرن الخامس عشر.

وفي ظل هذا الواقع، هاجر الحاخام الأكبر للجالية اليهودية في مدينة أدرنة، اسحاق سرفاتي، وهو يهودي ألماني، إلى الإمبراطورية العثمانية، وحث إخوانه في جميع أنحاء أوروبا على الهجرة.

وآنذاك قال سرفاتي: "أعلن لكم أن تركيا هي أرض لا ينقصها شيء، حيث سيكون كل شيء على ما يرام، إن أردتم ذلك. الطريق إلى الأرض المقدسة مفتوح لكم عبر تركيا. أليس خيراً لكم أن تعيشوا تحت المسلمين من أن تعيشوا تحت المسيحيين؟".

أعطت الرغبة في إعادة جعل إسطنبول مدينة عالمية غنية بالسكان بعد فتحها عام 1453 زخمًا جديدًا للجهود العثمانية لجذب المزيد من اليهود، الذين كانوا في ذلك الوقت يتعرضون بشكل متزايد للمذابح وحملات التحول عن اليهودية بالقوة في أجزاء مختلفة من أوروبا.

ومع ذلك، استمرت الهجرة اليهودية إلى الدولة العثمانية بعد أن أصبحت إسطنبول عاصمة عالمية حية ومزدهرة بحلول منتصف القرن السادس عشر.

وتمكن اليهود من الاستقرار في أجزاء مختلفة من الإمبراطورية العثمانية، بما في ذلك مقاطعات سالونيكا، وفالونا، وكافالا، وبورصة، وأنقرة وفلسطين، فلم تكن السياسة العثمانية تجاه اليهود مبنية فقط على اعتبارات براغماتية.

كدولة إسلامية، كانت الإمبراطورية العثمانية ملزمة دينيًا بتوفير نفس الحماية التي توفرها للمسلمين لمكوناتها من غير المسلمين، بمن فيهم اليهود، مقابل دفع ضريبة الجزية.

علاوة على ذلك، قال المؤرخ التركي، خليل إنالجيك، إن تقاليد الدولة العثمانية مارست الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بغير المسلمين في أكثر تفسيراتها ليبرالية، وخاصة تجاه اليهود الذين قدموا قدرًا كبيرًا من الثروة والمهارات والمعلومات للدولة دون السعي للتآمر ضدها.

وفي الوقت الذي كان اليهود يتعرضون فيه للاضطهاد في أوروبا على أساس كونهم يهودًا فقط، سمح لهم العثمانيون بالحفاظ على تنظيمهم المجتمعي التقليدي، والاستقلال الذاتي في شؤونهم الداخلية، والمشاركة في مناصب بارزة بالاقتصاد وجهاز الدولة، علاوة على اتخاذهم إجراءات لحماية اليهود من الاحتيال والقمع.

ولذلك ازدهرت المجتمعات اليهودية عبر المناطق العثمانية الواسعة، من البلقان إلى آسيا الصغرى والشام، بفضل الحماية التي وفرها قانون الدولة العثمانية، والشريعة الإسلامية، والإشراف من قبل بيروقراطية الدولة كما تؤكدها الروايات اليهودية والعثمانية والأوروبية المعاصرة.

وبالمقابل، ساهم اليهود بعمق في الاقتصاد العثماني والتمويل المالي والتنمية الحضرية والتصنيع.

وبنفس القدر من الأهمية، لم ينس معظم اليهود هذه السياسة النبيلة، لدرجة أنه بعد مئات السنين من هجرتهم إلى الإمبراطورية العثمانية في أبريل/نيسان 1892، قامت اللجنة الإقليمية للتحالف الإسرائيلي العالمي، مقرها باريس، بشكر السلطان عبد الحميد الثاني على الحماية التي تمتع بها اليهود أثناء الحكم العثماني.

وتلك اللجنة تعد بمثابة منظمة دولية تهدف إلى حماية حقوق يهود العالم.

وفي الوقت الحاضر، يواصل اليهود الأتراك، كمواطنين متساويين في الدولة وجزء من الأمة التركية، تقديم مساهمات أساسية لتركيا في العديد من المجالات بما في ذلك الثقافة والعلوم والتصنيع والتمويل المالي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!