محمود عثمان - الأناضول

أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، عن توجه المبعوث الأمريكي الخاص للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان لزيارة كل من تركيا ومصر والإمارات لمناقشة الدعم الدولي للجهود الدبلوماسية التي تهدف لإنهاء الصراع في إثيوبيا.

وكانت الولايات المتحدة، قد وجهت دعوات عديدة لأطراف النزاع لإنهاء الاشتباكات على الفور، لكن القتال ظل مستمرا بين حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد وقوات جبهة تحرير تيغراي.

ثمة توجه أمريكي نحو تهدئة الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي، تبدأ من النزاع الأثيوبي القائم بين الحكومة المركزية الإثيوبية من جهة وقوات تحرير تيغراي من جهة أخرى، مما أدى إلى عمليات نزوح كبيرة للمواطنين الإثيوبيين إلى دول الجوار.

كما دعت دول عديدة رعاياها لترك إثيوبيا بأسرع فرصة، نظرا لخطورة الوضع الأمني هناك، بعد أن أصبحت قوات تحرير تيغراي على مقربة من العاصمة أديس أبابا، وهددت باقتحامها.

وتجدر الإشارة إلى أن إثيوبيا دولة مركزية، تلعب دورا هاما في توازنات القرن الأفريقي، كما أنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة، وهذا يفسر الرغبة الأمريكية في إنهاء الصراع فيها.

وتأتي زيارة المبعوث الأمريكي الخاص بالقرن الأفريقي جيفري فيلتمان إلى تركيا ومصر والإمارات، في سياق البحث عن حلول تؤدي إلى إنهاء النزاع الأثيوبي، ووقف سيناريو تفتيت إثيوبيا وتقسيمها، ليس لأنها حليف استراتيجي للولايات المتحدة ودولة محورية في منطقة القرن الأفريقي فحسب، بل لأن سقوط إثيوبيا يعني تقليص الدور الأمريكي في المنطقة، ويفتح الباب على مصراعيه أمام التغلغل الروسي والصيني في القارة السمراء، وهو ما لا تريده واشنطن، وتسعى مع الدول الإقليمية الحليفة لها لمنع حدوثه.

** أبرز الملفات التي يحملها السفير فيلمان في حقيبته

مما لا شك فيه أن البحث في سبل تهدئة الأوضاع في الداخل الإثيوبي، ومنع التغلغل الصيني والروسي في إثيوبيا، وقضية سد النهضة، ستكون في مقدمة الملفات التي سيبحثها المبعوث الأمريكي خلال جولته.

وسيناقش فيلتمان هذه الملفات مع الدول التي لها استثمارات ومصالح في إثيوبيا، والدول التي لها تأثير في القارة الأفريقية، والتي تستطيع توجيه القرار الإثيوبي.

وهنا تبرز أهمية دور تركيا، بما تملكه من علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول والأطراف والقوى الأفريقية، مما يفرض على واشطن طلب التنسيق والتعاون، بل والشراكة الاستراتيجية مع أنقرة هناك.

**تأرجح الموقف الأمريكي في إثيوبيا

اتهمت إثيوبيا الولايات المتحدة وحلفاءها باتباع نهج "هدام"، بعد أن أدانت واشنطن و5 عواصم أوروبية في بيان مشترك أعمال العنف في إثيوبيا.

وقالت بيلين سيوم المتحدثة باسم رئيس الوزراء الإثيوبي إن الإجراءات لا تستهدف "أي مجموعة معينة من الناس على أساس هويتهم العرقية، والاعتقالات تستند إلى أدلة وشهادات موثوقة"، معتبرة أن "التلميح في هذا الصدد مضلل".

وجاءت تعليقاتها بعد ساعات من إعلان الحكومة أنها استعادت مدينتي ديسي وكومبولتشا الإستراتيجيتين، في أحدث جولة من التقدم الإقليمي الذي أعلنته القوات الموالية لرئيس الوزراء آبي أحمد.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان مقاتلو جبهة تحرير تيغراي قد هددوا بالزحف على العاصمة أديس أبابا، لكن بدا أن حكومة الأخيرة استطاعت قلب موازين المعارك في الأيام الأخيرة، وتزامن ذلك مع تولي آبي أحمد قيادة المعارك بنفسه.

**التنافس الدولي على القارة الأفريقية

أخذ التنافس الدولي على القارة الأفريقية بعدا استراتيجيا مهما في السنوات الأخيرة، لكونها قارة تحتل موقعا جيوسياسيا استراتيجيا هاما، من خلال مضائقها المائية المهمة، التي تتحكم في طرق الملاحة الدولية، إضافة لكونها ثاني أكبر القارات، كما تتوفر فيها معادن أساسية في الصناعات الحديثة، وثروات طبيعية مهمة.

وتعد الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا بالإضافة إلى فرنسا ذات التاريخ الاستعماري الطويل في تلك القارة من أبرز المتنافسين على كسب مساحات نفوذ هناك.

وقد بات التوجه الصيني نحو أفريقيا، وسعي بكين الدؤوب للحصول على النفط و المواد الخام، وفتح أسواق أفريقية جديدة، يشكل مصدر قلق بالغ للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

ويبدو ذلك جليا من خلال التقارير والدراسات التي أعدتها مراكز الأبحاث الغربية بخصوص التغلغل الصيني في القارة السمراء، لا سيما وأن التوجه الصيني الجديد في أفريقيا بات يهتم بقضايا التجارة و الاستثمار و الوصول إلى مصادر النفط و المواد الخام، بعيدا عن الشعارات الإيديولوجية التي كانت تتبناها بكين من قبل، مثل: ” التضامن مع العالم النامي” وغيرها.

ومن الملاحظ أن تزايد الاهتمام الصيني بأفريقيا، قد ارتبط بعملية إعادة تقويم دور أفريقيا في الاستراتيجية الأمريكية الكبرى بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، حيث بدأت الولايات المتحدة تنظر إلى أفريقيا من خلال ثنائية موقعها في استراتيجية الحرب على الإرهاب، وثروتها النفطية والمعدنية.

**الاهتمام الأمريكي بالقارة الأفريقية

عمل الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلنتون على إعادة توجيه سياسة بلاده من خلال التركيز على دبلوماسية التجارة كأداة للاختراق، ونجح في ذلك إلى حد كبير.

واستمر على نهج كلينتون الرئيس الأسبق جورج بوش صاحب فكرة "النظام العالمي الجديد"، فوقع مع الدول الأفريقية اتفاقية “أغوا” (The African Growth and Opportunity Act “AGOA”) عام 2000، وهي اتفاقية تجارية تسهل التبادل التجاري بين القارتين، ويعفي حوالي 7000 من منتجات 39 دولة أفريقية، بما في ذلك المنسوجات والسيارات والفاكهة والنبيذ من رسوم دخول أسواق الولايات المتحدة.

وفي ظل إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما مد الكونغرس الأمريكي هذا القانون إلى عام 2025 بعد انتهاء صلاحيته عام 2015.

لكن الإدارة الأمريكية في فترة الرئيس الأمريكي جورج بوش انشغلت بما يسمى بالحرب على الإرهاب، ما فسح المجال أمام الصين وغيرها مثل فرنسا لتوسيع نفوذهم في أفريقيا على حساب أمريكا.

ثم جاء أوباما ليتبنى سياسة التوسع في أفريقيا و منافسة الصين، فأعلن عن تعهدات لشركات أمريكية بالاستثمار في أفريقيا بقيمة 14 مليار دولار، في خطوة تعتبر مواصلة لمبادرات أمريكية بدأتها إدارته سنة 2013، ودعا بعد ذلك إلى قمة أمريكية إفريقية، هي الأولى من نوعها في أغسطس/ آب 2014 بمشاركة 50 دولة إفريقية.

تحت عنوان: “الاستثمار في الجيل القادم” عقدت القمة الأمريكية الإفريقية، في محاولة لتغيير التوجه الأمريكي، من مجرد النظر إلى القارة الأفريقية على أنها منطقة حروب وقلاقل، إلى منطقة اقتصادية بكر تتمتع بفرص اقتصادية واستثمارية هائلة أغفلتها الولايات المتحدة لمدة طويلة.

حيث تميز عهد أوباما ذو الأصول الأفريقية، بالتحول الشامل في التقييم والتعاطي الأمريكي مع القارة الإفريقية سياسيا واقتصاديا وعسكريا.

فبموجب قانون "النمو و الفرص" (AGOA) ارتفع مجموع صادرات الولايات المتحدة إلى أفريقيا 22 في المائة أي إلى 10.3 مليار دولار، وارتفع إجمالي واردات الولايات المتحدة من أفريقيا بنسبة 40 في المائة أي إلى 50.3 مليار دولار.

كما ازداد اعتماد الولايات المتحدة على أفريقيا في الحصول على مصادر الطاقة، ليصبح مسألة استراتيجية، فلا يخفى أن نحو 15في المائة من البترول الذى تحتاج إليه الولايات المتحدة يأتي من وسط وغرب أفريقيا، وهذا ما أكده والتر كانيستنر مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الأفريقية حين قال في 2002: "إن النفط الأفريقي أصبح مصلحة استراتيجية قومية لأمريكا".

كما عززت أمريكا وجودها العسكري في القارة بإنشاء قواعد عسكرية في أكثر من دولة بدعوى محاربة الإرهاب، بينما هي لحماية المصالح الأمريكية، كما أعطت أمريكا الأولوية في مساعداتها المالية للدول التي تنجز تقدما في احترام القيم الديموقراطية حسب المعايير الأمريكية.

لكن المنعطف الاستراتيجي الكبير في مسار العلاقات الأمريكية الإفريقية حدث في فترة إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب حيث كشف جون بولتون، مستشار الأمن القومي في حينه، أن السياسة الجديدة للولايات المتحدة تهدف إلى تحدي ممارسات الصين وروسيا الساعية إلى الحصول على ميزة تنافسية في أفريقيا، ومواصلة النهج الأمريكي المتمثل في المبادرات العسكرية والتجارية وتقديم المعونة، وذلك لتطوير شراكات اقتصادية وسياسية وأمنية في جميع أنحاء القارة الأفريقية.

**آفاق التعاون التركي الأمريكي في القارة الأفريقية

منذ عام 2003 وحتى اليوم يستمر حجم التجارة بين تركيا وإفريقيا في زيادة مضطردة من حيث استثمارات القطاعين العام والخاص خصوصا بعد الحملة التي أطلقها الرئيس رجب طيب أردوغان تحت عنوان، "إربح إربح ".

وتعتمد تلك الحملة على الفائدة المتبادلة بين طرفي العملية التجارية، على عكس النموذج الاستعماري الأوربي الذي ينتهج سياسة نهب الثروات والمواد الخام دون أن يقدم للطرف الآخر خدمات تذكر، ناهيك عن إذكاء الفتن والحروب الداخلية من قبيل "فرّق تسد".

وقد نجحت تركيا في سد الفراغ الذي تركته الصين، عندما أغلقت بكين حدودها بسبب وباء "كوفيد- 19" ليتحول الأفارقة نحو السوق التركية، التي سدت الفراغ بجدارة، بحيث حتى لو انتهى الوباء في هذه المرحلة، فإن السوق الإفريقية ستظل بحاجة إلى خبرة تركيا، خصوصا في مجال التصنيع والبناء.

من هنا تأتي أهمية الشراكة التركية الأمريكية على مستوى القارة الأفريقية، لكن هذا سيتوقف عند مدى استجابة واشنطن وحماستها ورؤيتها لمثل هذه الشراكة.

تبدو واشطن في الفترة الأخيرة في حالة ارتباك واضح حيال الملفات الخارجية المعقدة، حيث لم تسجل الدبلوماسية الأمريكية أي نجاح على مستوى أي ملف خارجي.

تفتقر واشنطن إلى الحزم في ملف النووي الإيراني، وتفتقر للدبلوماسية وأخذ زمام المبادرة في الملف الأوكراني.

وتفتقر لسياسة واضحة فيما يتعلق بالبؤر المشتعلة في الشرق الأوسط، الملف السوري والليبي واليمني، وتفتقر إلى المبادرة في قضية سد النهضة، وتأمين الحد الأدنى من الاستقرار في الصومال، على مستوى القرن الإفريقي.

من الواضح أن تركيز واشنطن على ملف الصراع مع الصين، وإهمالها لدرجة النسيان لبقية الملفات، قد أفقدها جميع حلفائها دون استثناء.

هذا الغموض الأمريكي لم يعد بالإمكان تفسيره بالفوضى الخلاقة، ولا بقدرة واشنطن على استعادة الخيوط متى شاءت، ولا بكثرة وتعدد خياراتها.

ها هي الانتخابات النصفية على الأبواب، وإذا استمرت سياسات إدارة الرئيس الحالي جو بايدن على ما هي عليه، فإن جميع المؤشرات تشير إلى ضعف حظوظه وحظوظ نائبته كامالا هاريس، وهذا ما بدأ ينعكس سلبا على حظوظ حزبه أيضا.

من هنا تكتسي زيارة السفير فيلتمان لكل من تركيا ومصر والإمارات أهمية خاصة، فإما أن تؤسس لتعاون استراتيجي يساعد في حل أزمة الحرب الأهلية في أثيوبيا، تمهيدا لحل مشكلة سد النهضة، ثم بقية مشاكل المنطقة، أو تستمر السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بايدن في حالتها الراهنة من التردد والضبابية وعدم الوضوح.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس