خلود الخميس - الأنباء الكويتية

القسطنطينية، معقل الدولة البيزنطية أكبر عدو للمسلمين لثمانية قرون، فتحها خير جيش وخير أمير ، السلطان محمد الفاتح، الذي حكم الدولة العثمانية وهو ابن الاثنين وعشرين عاما، وجيشه العثماني قبل خمسة قرون وستة عقود وعامين.

وأول ما فعله أن أمّن السكان على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم ومن يريد الخروج أيضاً فهو آمن في طريقه لا يعترضه أحد ولا يسلبه ويسبي نساءه أحد، وإلا السيف لمن يعصي أمر الخليفة ويشوِّه نتاج الفتح الإسلامي لدين الرحمة.

معنى «الفتح» لا يمكن أن يعني إلا الخير، وكلنا يدعو لذريته بالفتح ولنفسه بالفتح ولمن يحب بالفتح، ولمن كان بيننا وبينه حوار فنخشى سوء الفهم بالفتح، فكيف ظنكم بفتح وإسلامي؟!

لم يكن فتح القسطنطينية رحلة بحرية أو فسحة برية بل أحد المعارك العقدية الكبرى وتتطلب الإيمان واليقين ليثبت الجيش، وقد قال «الفاتح» لقادته قبيل الفتح: «إذا تم لنا فتح القسطنطينية تحقق فينا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعجزة من معجزاته، وسيكون من حظنا ما أشاد به هذا الحديث من التقدير، فأبلغوا أبناءنا العسكر فرداً فرداً بأن الظفر العظيم الذي سنحرزه سيزيد الإسلام قدراً وشرفاً، ويجب على كل جندي أن يجعل تعاليم شريعتنا الغراء نصب عينيه، فلا يصدر عن أحد منهم ما يجافي هذه التعاليم، وليجتنبوا الكنائس والمعابد ولا يمسوها بأذى، ويدعوا القساوسة والضعفاء والعجزة الذين لا يقاتِلون».

هكذا كان أمير جيش الإسلام، مبشراً لا منفراً، ميسراً لا معسراً، داعياً لا قاضياً، فدخل الإسلام كثر من نصارى القسطنطينية بسبب أخلاق جيش المسلمين، وذلك اتباعاً لنبي الأمة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء رحمة للعالمين لا للمسلمين فحسب، بدين خاتم لا دين بعده، الإسلام إذا دخل أرضاً عمّرها، وإذا وجد فيها شعباً حماه وحفظ له كرامته، واعتبرهم أهل ذمة وأعطاهم حق التقاضي بدياناتهم، وحكم بالعدل والمساواة بين الناس في الحقوق والواجبات كما تقره قوانين الشريعة التي لا تظلم أحداً، وكما يتعارف عليه الناس ما لم يتعارض مع الدين الذي جاء بكل شيء ولم يفرط مثقال ذرة، فمن ارتضاه ميزاناً فله ذلك، ومن أراد شريعة غيره ففي ظل الحكم الإسلامي لا إكره في الدين، ولكن حكم الدولة يجب أن يكون للإسلام بشريعة الله، ولهذا يعمل المسلمون أو يجب أن يعملوا.

اليهود، النصارى وغيرهم، لم يشهد أحد بالعدل لمخالفه إلا للإسلام، دين جاء ليخرج الناس من ظلم العبودية للبشر والملأ وكبراء القوم، لعبادة الله وحده لا شريك له، وجعل الجميع سواسية أمام الله، ألغى التعالي والغرور والترفع بين الناس وكانت أخلاق المسلمين تقترب من أخلاق النبوة في خير القرون التي امتدحها النبي صلى الله عليه وسلم (وهم أصحابه والتابعون وتابعو التابعين).

وكذلك الخير باقٍ في أمة محمد صلى الله عليه وسلم حتى قيام الساعة فلا نعتبر أن المديح سيقف هناك، بل تعداه لعالم الشهادة الذي كان غيباً أيام الصحابة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة إن من آمن به ولم يره هم «إخوانه» وبكى شوقاً للقائهم، أخوته شرف لنا، ولو استشعرها كل مسلم ما حاد عن سنته قيد أنمله.

هذا ما جاء به «الفاتح»، أخلاق دين محمد، في أول دخوله القسطنطينية التي فتحها المسلمون بعد حصار وحرب طاحنة وهروب ملوكها تاركين وراءهم الشعب لمصيره، ألم يتعلموا منذ الحروب الصليبية أن المسلم لا يؤذي الأسير ولا المحارب المستسلم ولا العوام غير المقاتلين والنساء وكبار السن والأطفالفهي من المحظورات الشرعية ولا ينقض العهد ولا يخون كلمته؟

لقد عرّفت التجارب بالكثير عن خُلق المسلمين خصوصاً كلما تمسّكوا بتطبيق الإسلام.

في احتفال ذكرى فتح القسطنطينية وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبجانبه رئيس وزراءه أحمد داود أوغلو وألقيا خطابين معبرين بالفخر والاعتزاز بابن أرضهم، وأن تاريخهم تشرف بالبشرى النبوية استشهاداً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتفتحن القسطنطينية فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش»، فلم يعد خافياً أن جزءا من مشروع حزب العدالة والتنمية الحاكم تبني الدفاع عن الخط المحافظ عبر حماية الدين الإسلامي من خطة إقصاء العلمانية له، وتكريس الموروث العثماني، مع التعايش تحت ظل المواطنة لجميع أطياف الشعب.

سنن الله لا تتبدل، من تواضع لله رفعه، وحكومة العدالة التنمية تواضعت للشعب خفضت الجناح لمخالفيها وعاملتهم بالعدل ليكونوا شركاء في التنمية التي هي المعيشة والشعور بالإنجاز والوجود بين أسوار الوطن.

منذ فتح القسطنطينية وحتى انتخابات السابع من يونيو الجاري التركية، والفتوحات مستمرة، هنيئاً لتركيا فنعم القائد قائدها ونعم الشعب شعبها.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس