د. علي حسين باكير - عربي21
الانتخابات التركية حديث العالم هذه الأيام. في نهاية يوم الأحد الموافق 14 أيار/ مايو 2023، ستكون النتائج قد ظهرت إذا لم يكن هناك أي عائق. وفي الساعات الأخيرة قبل انطلاق الانتخابات، تتطور الأحداث بشكل سريع وتكثر المفاجآت، وآخرها انسحاب المرشح الرئاسي مُحرّم إنجه بعد حملة كراهية وضغط عليه من قبل تحالف المعارضة؛ الذي كان يرى أنّ وجوده يؤدي إلى انقسام الأصوات التي من المفترض أن تذهب إليه. ترافق ذلك مع ترويج تسجيل ملفّق لإنجه، قال هو إنّ تحالف المعارضة وفتح الله غولن نسبه له، فيما ادّعت المعارضة أنّ روسيا تقف خلفه.
وفي مثل هذه الأجواء المشحونة بالدعاية، فإنّ نتائج الانتخابات تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات دون استثناء. من الصعب الدخول في لعبة التوقعات، وفي ظل الدعم الإعلامي الغربي الهائل لطرف على حساب طرف آخر في الانتخابات التركية، تصبح لعبة التوقعات أكثر ضبابية. على العموم، في الانتخابات الرئاسية هناك سيناريو فوز أردوغان أو فوز كليتشدار أوغلو، وكذلك الأمر فيما يتعلق بأغلبية البرلمان، فإما أن تذهب للسلطة مجددا، وإمّا أن تذهب للمعارضة.
وسائل الإعلام الغربية والمعارضة التركية في الخارج والداخل، دأبت خلال الشهر الأخير على وجه التحديد للترويج بقوّة لإمكانية فوز كليتشدار أوغلو من الجولة الأولى. وعلى الرغم من أنّنا ذكرنا أنّ المفاجآت واردة ،وأنّ المشهد مفتوح على كل الاحتمالات، إلا أنّ هذا السيناريو على الأرجح هو السيناريو الأصعب والأقل احتمالا. ومع ذلك، وبسبب الدعاية الضخمة والدعم اللامحدود للمعارضة التركية في الإعلام الغربي، رفعت المعارضة من سقف توقعاتها بشكل غير واقعي، إذ صرّح مرشّح المعارضة الموحّدة كمال كليتشدار أوغلو أنّه سيحصل على 60 في المئة من الأصوات من الجولة الأولى.
إذا فاز كليتشدار أوغلو، فسيكون ذلك بفارق ضئيل جدا، وإذا ما فازت المعارضة في البرلمان في مثل هذا السيناريو، فستسيطر بشكل كلي على الرئاسة والبرلمان، وسيعطيها ذلك صلاحيات تنفيذية وتشريعية واسعة، وسيؤسس لانقلاب شامل في السياسات التركية الداخلية والخارجية. لن تنتهي المشاكل الداخلية بطبيعة الحال، بل ربما قد تزيد، خاصّة أنّ المعارضة لا تحمل أجندة واضحة ولا تتفق على شيء الآن باستثناء الإطاحة بأردوغان والمحاصصة في السلطة. على الصعيد الخارجي، فإنّ الصورة العامة ستكون الذهاب بتركيا باتجاه الغرب، والالتحاق بشكل كامل بالسياسيات الأمريكية والأوروبية. بمعنى آخر، ستكون تركيا مجرد تابع وظيفي، هذا ليس توقعا، إنما استنتاج مبني على تصريحات المعارضة نفسها.
في السيناريو الثاني، يفوز أردوغان في الرئاسة التركية. ومع أنّ استطلاعات الرأي كانت تشير خلال الشهر الماضي إلى تقدم لمرشّح المعارضة على أردوغان، إلا أنّ الأخير استطاع خلال الأسبوعين الماضيين، إعادة ترتيب أوضاعه والانتقال من الدفاع إلى الهجوم في حملته الانتخابية، متسلحا بعدد من المبادرات، بالإضافة إلى الأخطاء التي وقعت المعارضة فيها، وهو ما رفع من رصيده مجددا على حساب مرشّح المعارضة. معظم الاستطلاعات خلال الأيام الأخيرة كانت ترجّح كفّة أردوغان على كليتشدار أوغلو، ومع التنويه إلى معظم استطلاعات الرأي في تركيا ليست ذات مصداقية، إلا أنّ المراقب يستطيع أن يلاحظ من خلال حشود أردوغان وخصومه، أنّه أعاد إنتاج الزخم الشعبي الداعم له، وهو ما قد يساعده على تجاوز الامتحان الصعب من الجولة الأولى.
إذا فاز تحالف الجمهور في هذا السيناريو، فستكون اليد العليا لحزب العدالة والتنمية مجددا في السلطة التنفيذية والتشريعية، وسيتيح ذلك للرئيس أردوغان استكمال مشروعه على الصعيد الداخلي والخارجي في وقت صعب للغاية. لن تزول التحديات بسهولة، لكن إسقاط المعارضة في هذه المعركة سيعطي زخما كبيرا ومشروعية للمسار الذي اختطّه. وسيكون لمثل هذا الفوز تداعيات كبيرة من دون شك على المعارضة وهياكلها ومسؤوليها وأجندتها، ومن ثم قد يعيد هذا الفوز تشكيل معارضة مختلفة تماما.
في السيناريو الثالث، يفوز أحد المعسكرين بالرئاسة فيما يفوز المعسكر الآخر بالأغلبية البرلمانية. هذا سيناريو وارد بطبيعة الحال، وربما فوز معسكر المعارضة بالبرلمان مقابل فوز معسكر السلطة بالرئاسة، هو الأكثر ترجيحا من السيناريو العكسي، الذي يفترض فوز المعارضة بالرئاسة والسلطة بالبرلمان. لكن بغض النظر، فإنّ هذا السيناريو يعني وجود انقسام واختلاف كذلك بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.
سيتسبب هذا السيناريو بمشاكل في إدارة الدولة من دون شك، لكن اليد العليا ستكون لمن سيفوز بمنصب الرئاسة؛ نظرا للصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الرئيس في النظام الرئاسي. هناك أيضا شكل آخر من هذا السيناريو، وهو أن يحصل تعايش ما بين الطرفين في الرئاسة والبرلمان، ومع أنّ احتمالات مثل هذا الأمر ضئيلة، إلا أنّه لا يمكن استبعاد أي من السيناريوهات في هذه اللحظة.
هناك أيضا سيناريو التشكيك بنتائج الانتخابات و/أو الفوضى. يحاول الإعلام الغربي كما المعارضة التركية التركيز على سيناريو افتراضي يقول؛ إنّ أردوغان لن يترك السلطة إذا ما هُزم، مع أنّ الخبرة التاريخية تقول؛ إنّ الفريق الأساسي في المعسكر الآخر قاد لعقود طويلة سياسة الحزب الواحد، ودعم الانقلابات العسكرية، ومارس كل أشكال التضييق والتسلّط على الغالبية العظمى من الأتراك، وأغلق الأحزاب ومنع العملية الديمقراطية من أن تأخذ مجراها.
وبموازاة هذا السيناريو، هناك حملة مسبقة من هذه الأطراف للتشكيك بنزاهة وعدالة الانتخابات وحتى بآلية عملها وبالنتائج التي قد تتمخض عنها، وهي تبدو محاولة استباقية لتبرير هزيمة محتملة أو حتى عدم الاعتراف بالهزيمة الممكنة. مثل هذا الأمر، قد يدفع إلى حالة من الفوضى، قد تبدأ بالتشكيك بنتائج الانتخابات وتنتهي بالتشكيك بشرعية النتيجة، وما قد يتمخض عن ذلك من صراع داخلي وفوضى، وعدم استقرار سياسي وعنف.
أيّاً تكن نتيجة الانتخابات، فإنّها ستؤثر من دون شك بشكل كبير على مستقبل تركيا والمسار الذي ستسلكه، وهو ما قد يترك تأثيرا على المحيط الإقليمي وعلاقات تركيا الخارجية.. يوم آخر ونعرف النتائج.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس