توران قشلاقجي - القدس العربي

أظهرت نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت في تركيا يوم 14 أيار (مايو) الماضي، انهيار المعارضة في تركيا بشكل كامل. شهدت الانتخابات التركية نسبة إقبال كبيرة ربما تكون الأعلى في تاريخ العالم، وحصل فيها «تحالف الشعب» بقيادة حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ 21 عاما على النسبة الأكبر من الأصوات على صعيد البرلمان لكنه لم يتمكن من تجاوز عتبة الـ50 في المئة اللازمة لضمان فوز مرشحه رجب طيب أردوغان، في الانتخابات الرئاسية. على الجانب الآخر، تعرضت الأحزاب الـ6 المعارضة المجتمعة تحت سقف «تحالف الأمة»، لخسارة كبيرة في الأصوات على مستوى البرلمان، وحصل مرشحها للرئاسة كمال كليجدار أوغلو، على 45 في المئة فقط من أصوات الناخبين في السباق الرئاسي. أما حزب اليسار الأخضر وحزب العمال التركي، فقد منيا بأكبر هزيمة. وكشفت نتائج الانتخابات أن المجتمع التركي لا يزال يريد الاستمرار مع حزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، على الرغم من الرسائل التي وجهها في هذا الصدد للمطالبة بإجراء التغييرات الداخلية اللازمة.

كان هناك شبه إجماع لدى الخبراء والمحللين السياسيين في تركيا خلال السنوات الأخيرة على وجود مشكلة معارضة وليست مشكلة حكومة في البلاد، والسبب في ذلك هو حفاظ حزب العدالة والتنمية على قوته ونفوذه رغم حالة الإرهاق الناجمة عن استمراره في السلطة منذ 21 عاما. شارك في انتخابات الأحد الماضي 36 حزبا بينها 24 حزبا صغيرا لم يحصل أي منها على نسبة ملموسة من الأصوات. وهذه هي المرة الأولى التي يحتضن فيها البرلمان التركي مثل هذا الجناح اليميني الكثيف. كما تشهد الأحزاب اليسارية والعلمانية أقل حضور نيابي لها في تاريخ البرلمان.

تعيش أحزاب المعارضة نوعا من الصمت حاليا في انتظار الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية بعد موجة نقاشات داخلية استمرت يومين، لكن يمكننا القول إنها تعاني من خيبة أمل وتراجع ملحوظ في المعنويات وسط اشتداد نبرة الخطاب لديها وزيادة الاستقالات في صفوفها. ومن المؤكد أن هذه الأحزاب ستواجه أزمة كبيرة فيما بينها بعد الجولة الثانية. الكاتب المعارض يلماز أوزديل، المعروف بانتقاداته الحادة لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان، اتهم حزب الشعب الجمهوري بالابتعاد عن «إعداداته التأسيسية»، وقال إن «استعادة تركيا (السلطة) لن يكون ممكنا ما لم تتم استعادة حزب الشعب الجمهوري». وأشار أوزديل، وهو من ذوي التوجهات الكمالية، إلى أن الحزب الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، محتل اليوم من قبل الأكراد والعلويين.

حاول زعماء التحالف المعارض أن يتهموا الهيئة العليا للانتخابات بإدخال نتائج الانتخابات بطريقة خاطئة بهدف التستر على فشلهم وخسارتهم لكنهم سرعان ما تعرضوا لانتقادات كبيرة من قبل الصحافيين والكتاب الموالين لهم لأنهم استخدموا بيانات غير دقيقة وصلت إلى حواسيب حزب الشعب الجمهوري بشكل خاطئ. وقال الصحافي ليفينت غولتكين، في تعليقه على هذا الأمر، إن «أصوات حزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد لم تسجل أي زيادة رغم كل الإرهاق الذي أصيب به الحزب الحاكم منذ 21 عاما، كما أن حزب اليسار الأخضر الكردي تعرض لخسارة تاريخية. يعتقدون أنهم سيحتفظون بقواعدهم الشعبية عن طريق ادعاءات الغش بعد أن فشلوا في تفسير هذا الوضع المثير للشفقة. لا تدعوا الأحزاب والسياسيين يلعبون بمشاعركم».

أما دجانة جندي أوغلو، أحد المثقفين البارزين في تركيا، فقال في تحليل نشره عقب الانتخابات: «لو أن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، شاهدا مرة أخرى تصرفاتهما على شاشة التلفزيون ليلة الانتخابات، فكم نقطة سيمنحان لنفسيهما؟ لقد تصرفا بطريقة طفولية للغاية وقاما بتضليل الشعب، لذلك عليهما الاعتذار. أما فيما يخص كليجدار أوغلو؛ السيد كمال ليس زعيما صاحب كاريزما. الكاريزما ليست شيئا يتم إنتاجه. انظر هل يوجد عند داوود أوغلو مثلا؟ إنه مثل أطفال يرتدون معاطف آبائهم في المدارس الاعدادية. هؤلاء يحاولون ممارسة تصرفات أردوغان الطبيعية عن طريق التقليد. لم أرَ شيئا كهذا في السياسة طيلة حياتي. قادة المعارضة لا يتمتعون بشخصيات كاريزمية ويحاولون أن يكونوا نسخة سيئة من أردوغان. توقفوا عن خداع أنفسكم وخداع الشعب، ولا تشجعوا الناس دون فائدة وحان الوقت لكي تنسحبوا من طريق الشعب».

خلاصة الكلام؛ هناك نقاشات حادة تدور حاليا خلف الستار في صفوف المعارضة التركية. ومن الواضح أن أحزاب المعارضة ستشهد تغييرات كبيرة بعد الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية. لأن الجميع، بما في ذلك المعارضة، يعتقد أن أردوغان الذي لم يفز بفارق ضئيل للغاية في الجولة الأولى، سوف يفوز بمنصب الرئاسة مرة أخرى في الجولة المقبلة. السؤال هنا هل سيفوز أردوغان في هذه الانتخابات بفارق ضئيل أم كبير. ويمكن للجميع أن يرى من الآن أنه إذا حصل أردوغان على أكثر من 55 في المئة من الأصوات في الجولة الثانية، فإن النقاشات داخل أحزاب المعارضة ستكون محتدمة للغاية. ولاحظنا يوم الإثنين أي بعد يوم من الانتخابات كيف أعلن الصحافي المناهض للحزب الحاكم فاتح ألطايلي، استقالته من قناة «خبر تورك»، التي كان من أبرز وجوهها ومسؤوليها منذ سنوات طويلة. لذلك بدأ الحديث بالفعل عن موجة الاستقالات الكبيرة التي ستشهدها صفوف المعارضة بعد الجولة الثانية المزمعة يوم 28 مايو/أيار الجاري.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس